التمويل الإسلامي ودور صندوق النقد الدولي
حققت صناعة التمويل الإسلامي نموا سريعا وإن كانت لا تزال تمثل نسبة صغيرة من نشاط السوق المالية العالمية. فقد زاد نفاذ الصيرفة الإسلامية في أسواق الكثير من أعضاء صندوق النقد الدولي حتى أصبحت من الأنشطة المؤثرة على النظام في آسيا والشرق الأوسط، بينما يستمر التوسع الملحوظ في الإصدارات العالمية من "الصكوك" – المعادل الإسلامي للسندات - على مستوى المُصْدِرين والمستثمرين الدوليين. ومن المتوقع أن يستمر هذا التوجه العام، ولا سيما بدعم من النمو الاقتصادي القوي في البلدان ذات الأغلبية المسلمة التي لا تتعامل نسبيا مع الجهاز المصرفي.
وانعكاسا لأهمية التمويل الإسلامي بالنسبة لكثير من البلدان الأعضاء، اهتم الصندوق منذ وقت طويل بانعكاساته على الاستقرار الاقتصادي الكلي والمالي، كما ساهم بدور رئيسي في إنشاء "مجلس الخدمات المالية الإسلامية" (IFSB). كذلك يقوم الصندوق بإشراك بلدانه الأعضاء في استكشاف انعكاسات التمويل الإسلامي في سياق المشورة التي يقدمها بشأن السياسات الاقتصادية وضمن جهوده المعنية بتنمية القدرات، وخاصة في مجالات تنظيم البنوك الإسلامية والرقابة عليها، وتطوير أسواق الصكوك المحلية.
وأدى نمو التمويل الإسلامي مؤخرا إلى زيادة الطلب على صندوق النقد الدولي. وحتى يعزز الصندوق درجة استعداده، قام بتشكيل مجموعة عمل مشتركة بين إداراته لوضع رؤية مؤسسية لهذه الصناعة، وبناء خبرته المتخصصة فيها، وتحسين التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية. وقامت مجموعة العمل بتكثيف العمل التحليلي المعني بالتمويل الإسلامي في أهم المجالات، ومنها التنظيم والرقابة على أنشطة البنوك الإسلامية، وسياسة السلامة الاحترازية الكلية، وشبكات الأمان الاجتماعي، وتسوية أوضاع البنوك، والإشراك المالي، وحماية المستهلك، والسياسة النقدية، وأسواق الصكوك، وإدارة المالية العامة، والسياسة الضريبية. وقد أنشأ الصندوق مجموعة استشارية خارجية تتألف من الجهات المعنية بوضع معايير التمويل الإسلامي وعدد من كبار الخبراء الدوليين للمساعدة في تحديد قضايا السياسات وتعزيز التنسيق مع مختلف الأطراف المعنية المهتمة بالتمويل الإسلامي.
المزيد عن التمويل الإسلامي
ما هو التمويل الإسلامي؟
يشير مصطلح "التمويل الإسلامي" إلى تقديم الخدمات المالية طبقا للشريعة الإسلامية ومبادئها وقواعدها. وتحرم الشريعة تقاضي "الربا" (الفائدة) وتقديمها، و"الغرر" (عدم اليقين المفرط)، و"الميسر" (القمار)، وعمليات البيع على المكشوف أو أنشطة التمويل التي تعتبرها ضارة بالمجتمع. وبدلا من ذلك، يتعين على الأطراف المعنية اقتسام المخاطر والمنافع المترتبة على المعاملات التجارية كما ينبغي أن يكون للمعاملة غرض اقتصادي حقيقي دون مضاربة لا داعي لها، وألا تنطوي على أي استغلال لأي من الطرفين.
آخر التطورات
يشمل التمويل الإسلامي حاليا أنشطة الصيرفة، والتأجير، وأسواق الصكوك (السندات) والأسهم، وصناديق الاستثمار، والتأمين ("التكافل") والتمويل متناهي الصغر، لكن أصول الصيرفة والصكوك تمثل حوالي 95% من مجموع أصول التمويل الإسلامي.
وقد نمت أصول التمويل الإسلامي في العِقد الماضي بمعدلات تتألف من خانتين، حيث انتقلت من نحو 200 مليار دولار أمريكي في عام 2003 إلى ما يقدر بنحو 1.8 تريليون دولارا في نهاية 2013. ورغم هذا الفارق المتزايد، فإن أصول التمويل الإسلامي لا تزال مركزة في دول مجلس التعاون الخليجي، وإيران، وماليزيا، وتمثل أقل من 1% من الأصول المالية العالمية.
وعلى سبيل المثال، تَفَوَّق أداء الصيرفة الإسلامية على الصيرفة التقليدية على مدار العِقد الماضي، حيث تجاوز معدل نفاذها إلى الأسواق 15% في اثني عشر بلدا من بلدان الشرق الأوسط وآسيا. وعلى مدار نفس الفترة، زاد إصدار الصكوك عشرين ضعفا لتصل قيمته إلى 120 مليار دولار في عام 2013، وتواصل قاعدة المُصْدرين التوسع مع إصدارات جديدة في إفريقيا، وشرق آسيا وأوروبا.
الصيرفة الإسلامية
وتختلف الصيرفة الإسلامية عن الصيرفة التقليدية من عدة أوجه. فعلى خلاف البنوك التقليدية التي تعمل على أساس الاقتراض والإقراض بأسعار فائدة سابقة التحديد، يأتي تمويل البنوك الإسلامية من الحسابات الجارية التي لا تدر فوائد أو حسابات الاستثمار المشاركة في الأرباح حيث يحصل صاحب الحساب على عائد يتحدد لاحقا حسب ربحية البنوك. وعلى جانب الأصول، تستخدم البنوك الإسلامية عددا من العقود مثل عقود البيع مع هامش ربح ("المرابحة")، والتأجير ("الإجارة")، والمشاركة في الأرباح والخسائر ("المشاركة")، والمشاركة في الأرباح وتحمل الخسائر ("المضاربة")، والخدمات القائمة على الرسوم ("الوكالة"). ويتعين وجود أصل أساسي في كل أعمال الصيرفة القائمة على البيع أو التأجير، على عكس الصيرفة التقليدية التي تقتصر أهمية الأصل فيها على كونه ضمانا إضافيا لكنه لا يشكل بالضرورة جزءا من معاملة الإقراض.
وتنشأ عن عمليات البنوك الإسلامية مجموعة متفردة من المخاطر، بالإضافة إلى المخاطر المعتادة التي تصاحب الأنشطة المصرفية مثل مخاطر الائتمان والسوق والسيولة والتشغيل والمخاطر القانونية. وتتضمن هذه المخاطر المتفردة ما يلي:
- مخاطر عدم مطابقة الشريعة (Shari’ah compliance risk) : تنشأ عن احتمال ألا يتم إقرار المنتجات المعروضة على العملاء بعد صدورها باعتبارها غير مطابقة لأحكام الشريعة؛
- المخاطر التجارية المنقولة (Displaced commercial risk) : تنشأ عن توقع أصحاب الحسابات الاستثمارية المشاركة في الأرباح أن تدر عليهم هذه الحسابات عائدا مماثلا لما تقدمه البنوك التقليدية، رغم ما يفترض من اختلاف العائد في هذه الحالة تبعا لربحية الاستثمارات، مما قد يضطر مساهمو البنك إلى التنازل عن جزء من أرباحهم؛
- مخاطر الاستثمار في حقوق الملكية (Equity investment risk) : تنشأ عن أدوات التمويل مع المشاركة في الأرباح، وهي أدوات تنفرد بها الصيرفة الإسلامية.
وتواجه هذه الصناعة مخاطر إضافية أيضا تتعلق بنموذج العمل وبطبيعتها كصناعة وليدة. فعلى سبيل المثال، تنطوي إدارة مخاطر السيولة على صعوبة أكبر بالنسبة للبنوك الإسلامية عندما تكون الأسواق المالية وتسهيلات المقرض الأخير المطابقة للشريعة محدودة أو معدومة. فنظرا لاشتراط قيام المعاملات على أصول أساسية، أصبحت المعاملات معقدة كما أصبحت هناك هياكل مؤسسية تضم شركات غير مالية إلى المجموعات.
وتثير هذه الاختلافات قضايا محددة تتعلق بالسياسات، وذلك من حيث التنظيم والرقابة، وحماية المستهلك، والسياسة النقدية وإدارة السيولة، والسياسة الضريبية. وللتعامل مع بعض هذه القضايا، تعاونت البلدان المعنية لإقامة مؤسسات متخصصة لوضع معايير تنظيمية (مجلس الخدمات المالية الإسلامية)، ومعايير للحوكمة والمحاسبة وتدقيق الحسابات (هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية)، ولأدوات الأسواق المالية (السوق المالية الإسلامية الدولية)، والبنية التحتية للسيولة قصيرة الأجل (مؤسسة إدارة السيولة الإسلامية الدولية).
الصكوك
الصكوك هي المعادل الإسلامي للسندات، وهي تشبه السندات المضمونة بأصول وتختلف عن السندات التقليدية من عدة أوجه. فبينما تمثل السندات التقليدية تعهدا بسداد الدين بسعر فائدة محدد، ينبغي هيكلة الصكوك على نحو يضمن وجود أصل أساسي، وعدم ضمان استرداد المبلغ الأصلي، وربط عائد المستثمر بأداء الأصول الأساسية.
وتتخذ الصكوك أشكالا متنوعة من الهياكل. فيمكن إصدارها مضمونة بأصول بحيث يكون للمستثمر مطالبة على الأصل الأساسي، أو قائمة على أصل بحيث تكون المطالبة على منشئ الصك وليس على الأصول الأساسية. ومنذ بدأ إصدار الصكوك بوتيرة متسارعة، ظهر عدد من الهياكل المختلفة، بما في ذلك الملكية الجزئية في المقبوضات، والشراكات القائمة على الإجارة والمشاركة في الأرباح والخسائر، وكذلك أدوات الائتمان القابلة للتحويل والاستبدال.
ويمكن أن تكون الصكوك وسيلة ملائمة لتمويل البنية التحتية، لكنها تؤدي أيضا إلى انعكاسات مهمة على الاستقرار المالي بالإضافة إلى قضايا محددة تتعلق بحماية المستهلك، وهي أمور تستحق الاهتمام. وتشبه الصكوك التمويل من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص حيث يقوم المستثمرون بتمويل الأصول ثم يمتلكونها، مما يؤدي إلى عملية توريق حقيقية تنتهي فيما بعد بتحويل هذه الأصول إلى الحكومة عند حلول الأجل المقرر.