حوار صندوق النقد الدولي مع الشباب: معالجة قضية البطالة في الشرق الأوسط
١ ابريل ٢٠١٠
بقلم: مسعود أحمد
بعد فترة من التباطؤ العالمي غير المسبوق، بدأت جذور التعافي الاقتصادي تزداد عمقا في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، تسبب الهبوط الاقتصادي في زيادة التحديات الأساسية التي كانت تواجه البلدان قبل حدوث الأزمة. ومن بين هذه التحديات، يبرز تحدٍ واضح في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو توظيف الشباب ـ أو بالأحرى عدم توظيفهم.
وببساطة نقول إن المنطقة تواجه ضغوطا ديمغرافية لا مثيل لها. فالنمو السكاني طوال الجيلين الماضيين كان من أسرع المعدلات على مستوى العالم، حيث يُتوقع أن تصل القوى العاملة في المنطقة إلى ١٨٥ مليون نسمة في عام ٢٠٢٠، بارتفاع نسبته ٨٠٪ عن عام ٢٠٠٠. والمنطقة من أكثر المناطق شبابا في العالم ـ حيث يشكل من هم دون الخامسة والعشرين حوالي ٦٠٪ من تعداد السكان.
ولكن زيادة التوظيف لم تكن مواكبة لمتطلبات تزايد السكان، حتى حينما كانت المنطقة تشهد نموا اقتصاديا مواتيا. والآن وقد أصبح من المرجح أن تكون معدلات النمو أكثر تواضعا بعد الأزمة، فإن مهمة خلق فرص العمل الكافية للشباب تزداد صعوبة. وبالتالي لا بد أن يكون خلق فرص العمل على رأس أولويات السياسة في المرحلة القادمة.
ورأى الكثير من الطلاب أن السياحة تمثل حجر الزاوية في الاقتصاد الأردني، وأعربوا عن اعتقادهم بأنه ينبغي للحكومة زيادة الاستثمار والتسويق في هذا القطاع للوصول به إلى أقصى مستوياته الممكنة. وتحدث طالب آخر قائلا "إنه لا يوجد سبب لتجاوز عدد السائحين الوافدين إلى مصر ضعف عدد السائحين في الأردن على غرار ما حدث في العام الماضي. فالمناطق السياحية في الأردن كذلك وفيرة؛ وكل ما نحتاجه هو زيادة الترويج لها".
تخفيف أثر الأزمة
من الصعوبة بمكان خلق فرص عمل مؤثرة في أي اقتصاد كما أنه يقتضي اتخاذ إجراءات على مختلف الأصعدة. وفي منطقة الشرق الأوسط، ظلت الشعوب على مر التاريخ تتطلع إلى حكوماتها لتوفير فرص العمل إلا أنه أصبح واضحا بصورة متزايدة أن ازدهار القطاع الخاص ضروري لخلق الفرص الوظيفية المنتجة والمثمرة بالقدر المطلوب. ومما لا شك فيه أن الحكومات لا تزال تضطلع بدور حيوي في توفير المناخ الاقتصادي الكلي والمالي السليم الذي سيمارس فيه القطاع الخاص عمله، وفي التأكد من أن النظام التعليمي ونظام التدريب في كل بلد يوفر للطلاب المهارات والكفاءات التي سيحتاجون إليها للنجاح عند انخراطهم في العمل في القرن الحادي والعشرين.
ولكن كيف يمكن لصندوق النقد الدولي أن يقدم المساعدة في هذا الخصوص؟ والجواب على هذا السؤال هو أساسا من خلال التعاون الوثيق مع بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمساعدتها في وضع سياسات تدعم الاستقرار الاقتصادي الكلي وتحفز النمو الاقتصادي القوي والقابل للاستمرار الذي يشكل عنصرا ضروريا لخلق فرص العمل. ولكن التحديات الاقتصادية أمام الجيل القادم تتطلب جهدا أوسع نطاقا أيضا ـ حيث يجب إشراك الشباب الذين سيتعين عليهم معالجة هذه التحديات عند انخراطهم في عالم الأعمال أو العمل الحكومي أو المجتمع الأكاديمي أو غير ذلك من مناحي الحياة.
الحوار مع الجيل القادم
وإذ يأخذ الصندوق في حسبانه هذه الأمور، فقد شرع في جهود لإشراك شباب المنطقة في المساهمة في تحديد حلول استشرافية. وجانب من هذه الجهود يتمثل في الحوار مع شباب الشرق الأوسط ـ وهو سلسلة من مناقشات الطاولة المستديرة مع طلاب من جامعات شهيرة في مختلف أنحاء المنطقة. وقد عقد خبراء الصندوق جلسات مع جيل القادة القادم من المغرب إلى مصر ومن الإمارات العربية المتحدة إلى باكستان، لمناقشة السياسات اللازمة لضمان نمو اقتصادي قابل للاستمرار يمكن أن يساهم بدوره في إيجاد فرص عمل جديدة.
وتتضمن هذه المبادرة الجديدة إنشاء موقع للتواصل الاجتماعي (www.imfyouthdialog.org) لتشجيع شباب المنطقة على تجاوز حدودهم الضيقة وإشراك الآخرين في الأسئلة والشواغل والرؤى المتعلقة بمستقبلهم الاقتصادي.
وأشار بعض الطلاب إلى أن الحد من التكامل المالي وزيادة الاعتماد على التمويل المحلي كان من الممكن أن يخففا من تداعيات الأزمة ويخفضا عدد البلدان المتضررة. غير أن البعض الآخر رفض هذا الاتجاه المعارض للعولمة. وأكد أحد الطلاب أننا "نعيش في نظام مترابط، ولا يمكن لجزء منه البقاء دون الآخر". وينبغي الاستمرار في تخفيض الحواجز التي تعيق تدفق السلع والأفكار مع ضرورة اتخاذ التدابير الوقائية الكافية، كما يتعين على البلدان التأهب لمواجهة الأزمات حال وقوعها. وفي هذا الصدد، من الأهمية بمكان وضع نظام فعال للإنذار المبكر. فلو كان بوسع البلدان (والصندوق) توقع حدوث الأزمة، لكان بإمكانها التعجيل بإجراء التحركات اللازمة على مستوى السياسات لتجنبها أو تخفيف آثارها على أقل تقدير.
وفي الرابع من إبريل/نيسان، سيجتمع السيد دومينيك ستراوس-كان، المدير العام لصندوق النقد الدولي، في العاصمة الأردنية عمّان مع حوالي ٥٠ طالبا للمشاركة في لقاء مفتوح تتويجا لمناقشات الطاولة المستديرة. وسوف يبث هذا اللقاء على الهواء مباشرة تليفزيون وراديو بي بي سي عربي بالإضافة إلى موقع بي بي سي عربي على شبكة الإنترنت. وإلى جانب هذا الحدث الرائد، من المقرر عقد المزيد من مناقشات الطاولة المستديرة في بلدان أخرى بالمنطقة، فضلا على مواصلة المناقشات على موقع التواصل الاجتماعي. وتأتي هذه الخطوات الأولى بينما تشرع بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في إعادة بناء زخم النمو كي تساعد مواطنيها على تحقيق الاستفادة القصوى من فرص القرن الحادي والعشرين. ويشمل هذا الشباب الذين سنعتمد جميعا على مستقبلهم.