تنزيل ملف PDF

إن إعطاء دور أكبر للمرأة في مجال التمويل الرقمي يمكن أن يعزز أداء الشركات والنمو الاقتصادي

أدى ظهور الخدمات المالية الرقمية – كتلك التي تَستخدم الهواتف المحمولة أو الإنترنت في إجراء المعاملات المالية – إلى إحداث تحول في حياة الناس، كما يتيح للفئات التي لا تصلها الخدمات المالية فرصا أكبر للوصول إليها. غير أن الشرائح السكانية لا تستفيد جميعا بنفس القدر.

فلا يزال يوجد قصور كبير في تمثيل المرأة في مجالي التمويل والتكنولوجيا. ولننظر على سبيل المثال إلى الخدمات المالية التقليدية. فقد وثق بحث سابق وجود ارتباط بين زيادة نسبة النساء في مجالس إدارات البنوك التجارية وزيادة الصلابة والاستقرار في النظام المصرفي. ومع ذلك، تشغل النساء أقل من 25% من مقاعد مجالس إدارات البنوك التقليدية وهيئات الرقابة المصرفية (دراسة Sahay and Čihák 2018). وتؤدي زيادة فرص استفادة الرجال والنساء من الخدمات المالية التقليدية إلى الحد من عدم المساواة في الدخل داخل البلدان، وتزداد المزايا إذا ما أُتيحت فرص الاستفادة لعدد أكبر من النساء (دراسة Čihák and Sahay 2020). ورغم هذه المكاسب الكبيرة التي حققتها البلدان، لا تزال هناك فجوات بين الجنسين في مجال الشمول المالي. فعلى مستوى العالم، تمتلك 65% من النساء حسابات لدى مؤسسات مالية، مقابل 72% من الرجال، حيث لا تزال المرأة تواجه حواجز اجتماعية-اقتصادية وثقافية وتكنولوجية تحول دون استفادتها من الخدمات المالية (دراسةDemirgüç-Kunt and others 2018).

ودراستنا الجديدة حول الخدمات المالية الرقمية تؤكد النتائج المتعلقة بالخدمات المالية التقليدية – فإشراك عدد أكبر من النساء في عالم مستخدمي وقادة الخدمات المالية الرقمية يحقق عدة منافع بخلاف معالجة عدم المساواة بين الجنسين. ونخلص إلى أن تضييق فجوة القيادة بين الجنسين من شأنه تشجيع شركات قطاع الخدمات المالية الرقمية على تحسين أدائها، وهو أمر بالغ الأهمية للنمو الاقتصادي.

وباستخدام مجموعة جديدة من بيانات شركات التكنولوجيا المالية عبر 97 بلدا، نجد أن النساء يمثلن أقل من 13% من القادة – سواء كمؤسِّسات أو كعضوات في المجالس التنفيذية لشركات التكنولوجيا المالية – وهي نسبة أقل من نسبة تمثيلهن في البنوك التقليدية وشركات التكنولوجيا. وكما يوضح الرسم البياني 1، لم تشهد هذه الأرقام أي تغير يُذكر في العشرين عاما الماضية. كذلك يوضح الرسم البياني 2 التفاوت الكبير بين المناطق، حيث كانت نسب شركات التكنولوجيا المالية التي أسستها النساء هي الأعلى في منطقة نصف الكرة الغربي ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، والأدنى في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

لقيادات النسائية

لفـروق بين المناطق

ولكن هل يهم حقا ما إذا كانت المرأة تتولى قيادة قطاع التكنولوجيا المالية؟ توصلنا إلى وجود علاقة موجبة بين ارتفاع عدد النساء في المجالس التنفيذية لشركات التكنولوجيا المالية وزيادة إيرادات هذه الشركات والتمويل الذي تحصل عليه للاستثمارات المستقبلية. وتنشأ عن ارتفاع عدد النساء في المجالس التنفيذية بنسبة 10% زيادة في الإيرادات التي تحققها الشركات والتمويل الذي تحصل عليه بنسبة 13% تقريبا. كذلك هناك علاقة موجبة موثقة بين التنوع الجنساني في شركة ما وأداء هذه الشركة (دراسة Christiansen and others 2016). فالشركات التي تشكل فيها النساء نسبة أعلى في المناصب التنفيذية تحقق إيرادات أعلى وتحصل على تمويل أعلى.

وفي المقابل، نجد أن الشركات التي أسستها النساء غالبا ما تحقق إيرادات أقل وتحصل على تمويل أقل مقارنة بتلك التي أسسها الرجال. وقد يرجع ذلك إلى أن المرأة تكون أكثر تجنبا للمخاطر عند اتخاذ قرارات الاستثمار أو قد ينتج عن التحيز الجنساني لدى المستثمرين (ومعظمهم من الرجال) الذين يمولون الشركات.

وماذا عن مشاركة النساء كمستخدمات للتمويل الرقمي؟ هناك شواهد متنامية على أن زيادة الشمول المالي الرقمي، بما في ذلك إمكانية حصول المرأة على الخدمات المالية واستخدامها لها، ترتبط بعلاقة موجبة بالنمو الاقتصادي، وبالتالي تعود بالنفع على المجتمع (دراسة Khera and others 2021). فعندما تتاح فرص الاستفادة من الخدمات المالية لعدد أكبر من النساء، تزداد مشاركتهن في القوى العاملة ومساهمتهن في النشاط التجاري، مما يؤدي إلى زيادة مباشرة في إجمالي الناتج المحلي. وعندما تنضم مواهب أكثر تنوعا إلى القوى العاملة، فمن المرجح أن تساعد على نمو الإنتاجية وتعزيز نمو الناتج في الاقتصادات المعنية (دراسة Ostry and others 2018).

وتخلص دراسة (2020) Sahay and others إلى أن التكنولوجيا المالية تساعد بالفعل في تضييق فجوات الشمول المالي بين الجنسين في عدة بلدان من خلال إزالة بعض العقبات التي تؤثر بشكل خاص على النساء – مثل القيود على الحركة والوقت – عن طريق تمكين النساء من استخدام حساباتهن المالية من المنزل. وعلاوة على ذلك، تؤدي الخدمات الرقمية إلى تجنب التعامل مع موظفي فروع البنوك، وهو ما يُحدِث فرقا في البلدان التي تفرض أعرافها الاجتماعية قيودا على التعامل بين الرجال والنساء. ولكن رغم اتساع دائرة الشمول المالي الرقمي لصالح للمرأة في بعض البلدان، فإنها تتسع بوتيرة أسرع لصالح الرجال، كما تزداد الفجوة بين الجنسين. فعلى سبيل المثال، تراجعت فجوات الشمول المالي الرقمي بين الجنسين بين عامي 2014 و2017 في 31 بلدا في عينة المؤلفين التي ضمت 52 بلدا، بينما اتسعت في باقي البلدان البالغ عددها 21 بلدا.

ويعد الشمول المالي للمرأة إحدى الوسائل القوية العديدة التي يمكن من خلالها تعزيز المساواة بين الجنسين، وتؤدي في الوقت نفسه إلى زيادة النمو الاقتصادي والاستقرار المالي والمساواة في توزيع الدخل. ولكن إحراز التقدم أمر مستحيل ما لم نفهم الواقع الذي تعيشه المرأة. إذن ما هي الأسباب وراء زيادة التفاوت بين الجنسين في استخدام التمويل الرقمي؟ هناك ثلاثة عوامل رئيسية:

  • تفتقر النساء غالبا إلى الوسائل الأساسية للحصول على الخدمات الرقمية – مثل الهواتف المحمولة وشبكة الإنترنت.
  • تحد الأعراف الثقافية في بعض البلدان من محو الأمية المالية للمرأة، والتي تقاس بنسبة النساء اللاتي أكملن تعليمهن الثانوي.
  • لا تزال المعرفة الرقمية والتكنولوجية لدى النساء منخفضة، والتي تقاس بنسبة النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، حيث تبلغ حوالي 15% على المستوى العالمي.

وتؤيد استنتاجاتنا دمج المزيد من النساء تحت مظلة الشمول المالي – كمستخدمات وقائدات في قطاع التمويل الرقمي - من أجل تعزيز النمو الاقتصادي. ومع تسارع وتيرة استخدام الخدمات المالية الرقمية في فترة ما بعد كوفيد، ربما تنشأ مصادر جديدة للإقصاء المالي بسبب الفجوة الرقمية بين الجنسين. وينبغي أن يكون الاستثمار في محو الأمية الرقمية والمالية على رأس جدول أعمال الحكومات. ويمكن لهيئات حماية المستهلك والأجهزة التنظيمية القيام بدور نشط في منع التحيزات الصريحة أو الضمنية.

وفي الوقت نفسه، نحتاج إلى أبحاث أكثر وبيانات أفضل لتحديد الظروف التي تسهل اضطلاع المرأة بأدوار قيادية في قطاع الخدمات المالية الرقمية، وهو ما يمكن أن يكون له انعكاسات على تضييق فجوات الشمول المالي بين الجنسين. ومن المثير للاهتمام أننا توصلنا في سياق دراستنا إلى أدلة أولية على وجود علاقة موجبة بين وجود قيادات نسائية في شركات التكنولوجيا المالية واستخدام النساء للخدمات المالية الرقمية. ويشير ذلك على الأرجح إلى أن التمثيل الأكبر للمرأة في المناصب القيادية في قطاع التكنولوجيا المالية يحفز تطوير الخدمات والمنتجات المالية بشكل أكثر استهدافا ومواءمة للمرأة. ويمكن أن تساعد زيادة دقة وعمق الدراسات حول هذا الموضوع في الجهود المبذولة لزيادة تحسين الشمول المالي.

بورفا كيرا اقتصادية في إدارة آسيا والمحيط الهادئ بالصندوق.

سوميكو أوغاوا مساعد مدير إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية بالصندوق.

راتنا ساهاي مستشار أول للشؤون الجنسانية في مكتب السيدة مدير عام الصندوق.

ماهيما فاسيشت طالبة دكتوراه في قسم الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا، إيرفين، وتجري دراسات حول موضوعات تتعلق بالمشاركة الاقتصادية للمرأة.

الآراء الواردة في هذه المقالات وغيرها من المواد المنشورة تعبر عن وجهة نظر مؤلفيها، ولا تعكس بالضرورة سياسة صندوق النقد الدولي.