الكلمة الافتتاحية للسيدة كريستالينا غورغييفا مدير عام صندوق النقد الدولي في القمة العالمية للحكومات
30 مارس 2022
أصحاب السعادة، السيدات والسادة:
يسرني للغاية أن أكون معكم هنا لحضور القمة العالمية للحكومات ولإطلاق آخر تحليلاتنا عن "تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى".
يحدث ذلك في سياق تطورات جغرافية–سياسية كبيرة مدفوعة بالحرب في أوكرانيا، بما لها من انعكاسات على الناس والمجتمعات والاقتصادات، وهي، على غرار الجائحة، تذكرة قاسية بأننا نعيش في عالم أكثر تعرضا للصدمات.
فأزمة المناخ تُحْدِث بالفعل اضطرابات حادة في حياة الناس وسبل عيشهم. وبرغم أن الاحترار لم يتجاوز 1,1 درجة مئوية حتى الآن، فإن نصف سكان العالم باتوا يواجهون بالفعل خطر انعدام الأمن المائي لمدة لا تقل عن شهر واحد سنويا. ولذلك تأثير قوي في هذه المنطقة على وجه الخصوص.
وعلى مدار العقدين الماضيين، ظلت الكوارث المرتبطة بالمناخ هنا تزداد تواترا بسرعة أكبر مما تشهده أي منطقة أخرى في العالم. موجات جفاف في شمال إفريقيا والصومال وإيران، وأوبئة وانتشار للجراد في القرن الإفريقي، وفيضانات جارفة في القوقاز وآسيا الوسطى. قائمة من الكوارث تزداد طولا بسرعة فائقة.
وكما توضح دراستنا الجديدة، فإن الانعكاسات الاقتصادية والمالية لهذه الآثار المناخية تشكل تهديدا كبيرا للنمو والرخاء في المنطقة.
ففي أي سنة عادية خلال هذا القرن، أسفرت الكوارث المناخية في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى عن إصابة وتشريد 7 ملايين نسمة وتسببت في أكثر من 2600 حالة وفاة وفي أضرار مادية تبلغ قيمتها ملياري دولار.
ونعلم أيضا أن الظواهر الجوية المتطرفة عادة ما تسفر عن تخفيض نصيب الفرد من النمو الاقتصادي السنوي بنسبة تتراوح بين نقطة مئوية ونقطتين مئويتين. وفي منطقة القوقاز وآسيا الوسطى وحدها، وصلت حدة هذه الظواهر إلى مستوى جعلها تُحْدِث خسارة دائمة في مستوى إجمالي الناتج المحلي بما يعادل 5,5 نقطة مئوية.
إن التحديات المناخية في العصر الراهن تتسبب بالفعل في خسائر فادحة. ونحن نعلم أن كوكبنا مهيأ للمضي نحو مزيد من الاحترار. وحتى مع احتساب التخفيضات العالمية الكبيرة للانبعاثات، فقد يتجاوز متوسط درجات الحرارة في فترة الصيف 30 درجة مئوية في نصف بلدان المنطقة بحلول عام 2050.
فما الذي يمكننا أن نفعله لتهيئة اقتصاداتها ومجتمعاتها لمواجهة هذا التحدي الجسيم؟
أولا، يتعين على جميع البلدان تحقيق خفض كبير في انبعاثاتها – لتحقيق استقرار درجات الحرارة العالمية وتسهيل التعامل مع تحدي التكيف مع تغير المناخ.
ويوضح تحليلنا أن "الحفاظ على إمكانية تحقيق المستوى المستهدف البالغ 1,5 درجة مئوية" يقتضي تخفيض الانبعاثات العالمية إلى النصف بحلول عام 2030. ولتحقيق هذا الهدف، نوصي بزيادة مطردة في سعر الكربون – بطرق منها ما يعادل ذلك من التدابير غير السعرية – إلى جانب الاستثمارات الخضراء والإجراءات التي تكفل التحول العادل عبر البلدان وداخلها. وهنا، تبوأت دولة الإمارات العربية المتحدة صدارة الجهود الإقليمية حين تعهدت باستثمار أكثر من 160 مليار دولار في مصادر الطاقة المتجددة لخفض انبعاثات الكربون إلى صفر صافٍ بحلول 2050.
ثانيا، إعطاء أولوية للتدابير عالية القيمة "التي لا يُندم عليها" في إدارة المخاطر والتي تبررها كل سيناريوهات المناخ المستقبلية المعقولة – مع بناء القدرة على التكيف مع التغير المستقبلي. ففي مصر، على سبيل المثال، تُوَجَّه استثمارات لطرق الري الحديثة والتعليم والرعاية الصحية. وفي الإمارات العربية المتحدة ينصب التركيز على الطاقة النظيفة والإنشاءات المستدامة والحفاظ على المياه.
وفي البلدان شديدة التعرض للمخاطر، من الضروري الاستثمار في التأهب للكوارث والقدرة على التكيف معها، إلى جانب تقوية المؤسسات، وتعزيز الصلابة الاجتماعية. وقد قامت طاجيكستان وأوزبكستان، على سبيل المثال، بتطوير أنظمة الإنذار المبكر بالأحداث المناخية المتطرفة والكوارث العابرة للحدود.
ثالثا، إدخال سياسات التكيف ضمن الاستراتيجيات الاقتصادية الوطنية، ولا سيما في الأطر الاقتصادية الكلية – التي ينبغي أن تعكس المخاطر المناخية بالكامل.
ومن خلال تدخلات محددة ضمن هذه الأطر، يمكن المساعدة على تعزيز الاستثمارات العامة في البنية التحتية القادرة على تحمل تغير المناخ، بما في ذلك زيادة الحماية من الفيضانات، وتحسين نظم الري، وتطوير المباني. ويتضح من نماذج محاكاة لتجربة المغرب أن الاستثمار في البنية التحتية للمياه يعزز القدرة على تحمل موجات الجفاف، مما يقلل خسائر إجمالي الناتج المحلي بما يقرب من 60% ويسهم في احتواء صدمات الدين العام.
وبطبيعة الحال، تقتضي هذه الإجراءات بذل جهد إضافي. وتشير تقديراتنا إلى أن احتياجات الاستثمار في البنية التحتية العامة قد تصل إلى 3,3% من إجمالي الناتج المحلي سنويا في كل بلد من بلدان المنطقة على مدار العشر سنوات القادمة، أي أكثر من ضِعف متوسط الأسواق الصاعدة.
ولكن بوجه عام، لا يملك كثير من بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى إلا حيزا ماليا محدودا، وخاصة في أعقاب الجائحة. وحتى يتحقق التكيف لاكتساب مزيد من الصلابة في مواجهة الكوارث المستقبلية المرتبطة بالمناخ، ينبغي القيام بمزيج من الإصلاحات المحلية على مستوى السياسات والحصول على قدر أكبر من الدعم الدولي.
فعلى المستوى المحلي، يمكن أن تبدأ البلدان بتعبئة الإيرادات ورفع مستوى الكفاءة وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام حيثما أمكن، وذلك، على سبيل المثال، من خلال الاستعاضة عن الدعم المعمم على الوقود بتدابير موجهة لمساعدة فئات السكان الأشد ضعفا.
وعلى المستوى الدولي، ستكون البداية جيدة إذا استطاعت الاقتصادات المتقدمة أن تحقق (أو تتجاوز) هدف توفير 100 مليار دولار سنويا لتمويل العمل المناخي في البلدان النامية.
وسيقوم الصندوق بدوره في هذا الصدد.
فنظرا لما يفرضه تغير المناخ من تحديات اقتصادية في مختلف أنحاء العالم، لم تسلم منها هذه المنطقة، نعمل في صندوق النقد الدولي على تكثيف مشاركتنا في العمل المناخي. وهدفنا هو مساعدة البلدان على تعزيز قدرتها على دمج الأنشطة المناخية في سياساتها المالية الكلية، من خلال عملنا التحليلي وأعمالنا الرقابية، وأنشطتنا لتنمية القدرات. فعلى سبيل المثال، سوف يحتوي تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" الذي يوشك على الصدور فصلا يتناول خلق الوظائف الخضراء.
ونعمل حاليا على إنشاء "الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة" الجديد الذي يهدف إلى معالجة التحديات الهيكلية الأطول أجلا التي تؤثر بدرجة كبيرة على الاقتصاد الكلي في البلدان الأعضاء الضعيفة – ومنها تغير المناخ.
واسمحوا لي الآن أن أختتم كلمتي.
في العام الحالي، ينصب اهتمام المجتمع الدولي بصورة مباشرة على الشرق الأوسط فيما يتعلق بقضايا المناخ. وستستضيف مصر مؤتمر المناخ “COP27” في شهر نوفمبر من هذا العام، ويأتي دور دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2023. وبينما نتطلع إلى انعقاد هذين المؤتمرين، يجب على المجتمع الدولي أن يتكاتف لمناقشة الأهمية البالغة للإجراءات المناخية، من أجل حاضرنا ومستقبلنا.
وصندوق النقد الدولي على أهبة الاستعداد لدعم بلداننا الأعضاء في نطاق عملنا المشترك لتحقيق هذه المساعي.
إدارة التواصل، صندوق النقد الدولي
قسم العلاقات الإعلامية
مسؤول الشؤون الصحفية:
هاتف:7100-623 202 1+بريد إلكتروني: MEDIA@IMF.org