في قلب معركة الأردن لمكافحة كوفيد-19
21 يوليو 2020
في حوار مع فريق "بلدان في دائرة الضوء"، يتعمق وزير المالية الأردني محمد العسعس في استعراض الآثار الاقتصادية لجائحة كوفيد-19 على بلاده، والسياسات التي يحرصون على تنفيذها للحد من التداعيات وحماية الفئات الضعيفة، ودور التمويل السريع من الصندوق في التخفيف من وطأة الجائحة وإفساح المجال للحكومة للاستثمار في المجالات الحيوية أثناء الأزمة.
كيف أثرت جائحة كوفيد-19 على الاقتصاد الأردني؟
تشير توقعات الصندوق إلى انكماش الاقتصاد الأردني في عام 2020 - لأول مرة منذ عقود. وهو ما يدعو للقلق بصفة خاصة لأننا استطعنا من قبل أن نحقق نموا بمتوسط قدره 2% رغم ما تعرض له اقتصادنا من صدمات إقليمية ودولية مطولة على مدار العقد الماضي بلغت 44% من إجمالي الناتج المحلي، وحتى أثناء تنفيذ استراتيجية ضخمة لضبط أوضاع المالية العامة. وبالتالي فإن هذا الانكماش هو دليل واضح تماما على ضخامة أثر الجائحة.
ومن المتوقع كذلك أن يكون تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي عقبة أمام الاستثمار الأجنبي المباشر، وتحويلات العاملين في الخارج، والتجارة، والسياحة حيث كانت هذه الأخيرة تشكل 10% من إجمالي الناتج المحلي في فترة ما قبل الجائحة. وبالإضافة إلى ذلك، لدينا أكثر من 250 ألف عامل من عمال المُياومة تضرروا بسبب الإغلاق العام، فضلا على منشآت الأعمال التي تواجه ضائقة نقدية.
لكنني أعتقد أننا استطعنا تحويل هذه المحنة إلى منحة. فقد استجبنا لهذه الأزمة بتدابير عاجلة على مستوى سياسة المالية العامة والسياسة النقدية، وإذ اقترنت هذه التدابير بقوة أساسياتنا الاقتصادية بما فيها استدامة القدرة على تحمل الدين وسلامة النظام المالي، استطعنا أن نعزز الثقة في الاقتصاد. وأدى ذلك إلى إصدار ثنائي الشريحة من سندات اليوروبوند التي تجاوز الإقبال على المشاركة فيها كل التوقعات وبأسعار فائدة تنافسية بلغت 4,95% للسندات بأجل استحقاق خمس سنوات و5,85% للسندات بأجل استحقاق عشر سنوات.
كذلك استطاع الاقتصاد أن يتكيف بشكل جيد مع الأوضاع. فعلى سبيل المثال، يمكن الاستعانة بالشركات المبتدئة المتألقة في مجال التكنولوجيا لتيسير النشاط الاقتصادي في المنطقة وسط القيود على السفر عبر الحدود. وبالإضافة إلى ذلك، يدخل الأردن حاليا في سلاسل الإمداد العالمية؛ فالأمر لا يقتصر على أننا نتمتع بالاكتفاء الذاتي في إنتاج الأقنعة الوقائية، بل نقوم أيضا بتصديرها.
ما الإجراءات التي اتخذتموها حتى الآن للتصدي للجائحة وحماية الفئات الأكثر ضعفاً؟
تأتي استجابة الأردن لجائحة فيروس كورونا متماشية مع المبدأ العام المعتمد، وهو إعطاء الأولوية لسلامة الإنسان. فبعد ظهور عدد قليل من حالات الإصابة بالعدوى، كان الأردن من أوائل البلدان التي طبقت الإغلاق العام الصارم. وكرسنا جهودنا لإجراء اختبارات الفحص بأسعار معقولة وعلى نطاق واسع، ووزعنا الأغذية والمستلزمات الأساسية على الأسر، وخفضنا ضريبة المبيعات على أهم المعدات الوقائية. ونتيجة لذلك، أصبح لدينا واحد من أدنى معدلات الإصابة بفيروس كورونا للفرد في العالم، وبالتالي استطعنا أن نعمل على إعادة فتح الاقتصاد بالتدريج.
وعجلنا كذلك بإنشاء صندوق لتغطية المصروفات الطبية الطارئة لضمان توافر الأموال الضرورية لوزارة الصحة الأردنية. وفي نفس الوقت قدمنا للشركات مساعدات مؤقتة لتخفيف أعباء التدفقات النقدية وذلك بالسماح بتأجيل مدفوعات ضرائب المبيعات والرسوم الجمركية، وتأجيل مدفوعات خدمات المرافق، وخفضنا اشتراكات الضمان الاجتماعي بصفة مؤقتة، كما قدمنا الدعم للفئات الهشة من عمال المُياومة عن طريق برنامجنا المعني بالتحويلات النقدية، وهو "صندوق المعونة الوطني".
وقام "صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي" الأردني كذلك بتشريع مجموعة كبيرة من السياسات، شملت التحويلات والمزايا العينية للعاطلين وأصحاب المهن الحرة. وعلى جانب السياسة النقدية، خفَّض البنك المركزي الأردني أسعار الفائدة الأساسية، كما قام بضخ السيولة عن طريق تخفيض الحد الأدنى للاحتياطي الإلزامي للودائع محددة الأجل، وخفف من شروط برامج التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت الحكومة التزامها بتعويض المتأخرات المستحقة للقطاع الخاص، وهو ما يجري حاليا التعجيل بتنفيذه.
كيف سيُستخدم الاتفاق الجديد مع الأردن الذي يغطي أربع سنوات في إطار "تسهيل الصندوق الممدد" بقيمة قدرها 1,3 مليار دولار أمريكي لدعم الاقتصاد في فترة الأزمة الحالية؟
البرنامج الاقتصادي في إطار "تسهيل الصندوق الممدد" هو وليد لجهود الشراكة بين السلطات الأردنية وخبراء الصندوق، ويركز على النمو، والوظائف، وشبكات الأمان الاجتماعي. وسوف تُخصص الأموال لتمويل بنود ميزانيتنا العامة بما في ذلك الصحة، والتعليم، والدعم الاجتماعي. ورغم أن جائحة كوفيد-19 دفعتنا لإعادة ترتيب أولويات الإنفاق من الميزانية، فلا نزال ملتزمين بأهداف برنامجنا الاقتصادي الوطني.
وفي المرحلة المقبلة، سوف نسـتمر في تمويل النفقات الرأسمالية الضرورية لتنشيط الاقتصاد (وإن كان بدرجة أقل)، والحفاظ على مستوى أجور القطاع العام، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي. والأهم من ذلك، أننا لا نزال ملتزمين بتقديم الدعم للاجئين السوريين الذين نستضيفهم. وأخيرا، فإن قرض الصندوق يسمح لنا بتخفيض تكاليف خدمة ديوننا، مما سيساعدنا على إفساح حيز مالي إضافي لتمويل المجالات ذات الأولوية الملحة.
وافق الصندوق مؤخرا أيضا على مساعدة طارئة قدرها 396 مليون دولار بموجب "أداة التمويل السريع" ( RFI ) لمكافحة كوفيد-19. فكيف تستخدمون هذه الأموال، وكيف ستكفلون استخدامها على نحو يتسم بالشفافية والمساءلة؟
إنه في مثل هذه الأوقات العصيبة العالمية تتجلى سمات الشراكة الحقيقية، واستجابة الصندوق الفورية لأزمة كوفيد-19 هي دليل على صدق مبدأ سياسات من أجل الصالح العام، والسياسة المالية الصالحة، على السواء. فقد انخفضت إيراداتنا المحلية نتيجة الإغلاق العام على الرغم من ازدياد احتياجات الإنفاق بلا هوادة. وعلى الرغم من أن قطاعنا المصرفي المحلي وصندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي يتمتعان بسلامة أوضاعهما ولديهما القدرة على الإقراض لمواجهة هذه الاحتياجات، فقد ازدادت احتياجات منشآت الأعمال والمستهلكين للاقتراض على نحو مماثل تماما لازدياد متطلباتنا للحصول على القروض. وكان من الضروري في هذا الوضع أن تسعى الحكومة للحصول على التمويل الخارجي لتجنب مزاحمة ائتمان القطاع الخاص.
ويجري حاليا إنفاق الأموال المتاحة بموجب أداة التمويل السريع من حساب الخزانة الوطني على نحو يتفق مع الممارسات الدولية المثلى في إدارة الأموال العامة. وبالنسبة للشفافية، أنشأنا لهذا الغرض خطوطا محددة في الميزانية العامة لرصد الإنفاق المرتبط بالأزمة والإبلاغ ببياناته، وربطنا حسابات صندوق الطوارئ ضمن "حساب الخزانة الموحد". وسيقوم "ديوان المحاسبة الأردني" كذلك بعمليات التدقيق اللاحق لكل التدفقات الداخلة والنفقات لأغراض تخفيف حدة الأزمة، وسيتم نشر نتائجها.
في غمار جهودكم للتصدي لجائحة كوفيد-19، ما التحديات الاقتصادية أو الصحية أو الاجتماعية التي تقلقكم أكثر من سواها في المرحلة القادمة؟
أولا وقبل كل شيء، ليس هناك من هم أكثر تأثرا بتراكم هذه الأزمات من الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا - الذين يمثلون جيلا عانى من الفرص الضائعة من حيث فرص العمل والتعليم. ومن الضروري أن نستقطب طاقات شبابنا في المعرفة التكنولوجية والابتكار في ظل الحاجة التي نشأت حديثا للعمل من بُعد. وبالإضافة إلى ذلك، لا بد من صرف مخصصات الدعم الاجتماعي بلا تمييز على غرار عدم التمييز في توزيع اللقاح حتى يمكن منع تفشي الآثار الاجتماعية السلبية قبل الاضطرار إلى معالجة أعراضها. وفي هذا الصدد، أرى أنه من أهم بواعث القلق أن يدع المجتمع الدولي التحديات العالمية كأزمة اللاجئين السوريين في عداد اهتمامات الماضي، رغم أنها لا تزال تشكل واقعا يوميا بالنسبة لنا في الأردن.