جائحة كوفيد-19 تشكل تهديدا جسيما للدول الهشة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
14 مايو 2020
تعاني كل البلدان في التصدي لفيروس كوفيد-19، لكن الخطر الذي يمثله الفيروس أكثر جسامة بالنسبة للبلدان الهشة والتي ترزح تحت وطأة الصراعات. ولتجنب الأسوأ، يتعين على المجتمع الدولي إصدار استجابة سريعة ومنسقة.
ستؤدي جائحة كوفيد-19 إلى انخفاض دخول الأُسَر انخفاضا حادا في البلدان الهشة والتي ترزح تحت وطأة الصراعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثل أفغانستان وجيبوتي والعراق ولبنان والسودان والصومال. فمع تأثُّر إيرادات التصدير وتراجُع النشاط المحلي بسبب التباعد الاجتماعي، ستنخفض الدخول – وخاصة للعاملين في القطاع غير الرسمي وذوي المهارات المحدودة، بما في ذلك عدد كبير من السكان النازحين داخليا واللاجئين.
وفي ظل هبوط الدخول العالمية، من المتوقع أيضا حدوث تدهور بنسبة 20%* في تحويلات العاملين في الخارج – وهي تمثل 14% من إجمالي الناتج المحلي في البلدان الهشة عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتعتبر شريان حياة لكثير من الأسر.
وعلى نطاق أوسع، من المتوقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في هذه البلدان بنسبة 7% في عام 2020، مقارنةً بمعدل نمو متوسط قدره 2,6% عام 2019. وسيؤدي هذا إلى انخفاض كبير في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي - من 2900 دولار في 2018-2019 إلى 2100 دولار في 2020.
وعلى أثر هذا الهبوط الحاد، ستتفاقم التحديات الاقتصادية والإنسانية الراهنة*. فالبلدان الهشة والتي تمر بصراعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تخوض معركة بالفعل مع ارتفاع مستوى الفقر، وعدم الاستقرار السياسي، وضعف الدولة، وتَهَالُك البنية التحتية. ويمكن أن يؤدي الفشل في تخفيف المعاناة المحتملة إلى تفاقم عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي الأساسي وقد ينشئ حلقة مفرغة من المعاناة الاقتصادية والصراع – مما يضيف إلى التحديات الإنسانية القائمة التي تشهدها بلدان تمر بصراعات دائرة بالفعل، بما في ذلك ليبيا وسوريا واليمن.
حماية الأرواح والأرزاق ستكون تحديا هائلا
من المرجح أن يفوق تفشي جائحة كوفيد-19 إمكانيات النظام الصحي بطاقته المحدودة. فالبلدان الهشة والتي تمر بصراعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعاني من نقص الأطباء (8 أطباء لكل 10 آلاف شخص مقابل 14 طبيبا لنفس العدد في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية). كذلك تواجه هذه البلدان نقصا في أَسِرَّة المستشفيات وفرصا محدودة للوصول إلى أدوات غسل اليدين، ومياه الشرب، والمرافق الصحية، مما يجعل حماية الأفراد من الفيروس مهمة شاقة. وسيؤدي نقص هذه المتطلبات، بسبب انخفاض الواردات والتنافس الدولي على المعدات الطبية، إلى إبراز مواطن الضعف بصورة أكبر.
وقد لا يكون احتواء الفيروس ممكنا لنسبة كبيرة من السكان. فهذه البلدان المعرضة للخطر تضم، مجتمعةً، 17,2 مليون نازح داخليا وتستضيف 2,7 مليون لاجئ. ويعيش كثير من هؤلاء السكان في مخيمات أو في أوضاع أخرى محفوفة بالخطر، حيث يمكن أن يؤدي التكدس والافتقار إلى المرافق الصحية المناسبة والمياه النظيفة إلى انتشار الفيروس بسرعة. ففي جيبوتي والسودان، على سبيل المثال، لا تتوافر مثل هذه الخدمات الأساسية بشكل مضمون إلا لنسبة 10% إلى 20% من اللاجئين.
وتتسبب المستويات المرتفعة لانعدام الأمن الغذائي في تفاقم التحديات المتعلقة بالصحة والفقر. وتتأثر الإمدادات الغذائية بتداعيات القيود المفروضة على النقل، بينما تأثر الإنتاج والأسعار في بعض المجالات بمجموعة من الصدمات المتعلقة بتغير المناخ، كنوبات الجفاف، والسيول، وأسراب جراد الصحراء.
وستزداد معدلات الفقر والاضطراب الاقتصادي سوءا في غياب استجابة من المالية العامة، ولكن المجال ضيق للقيام بمثل هذا التحرك لأن الموارد محدودة بالفعل وآخذة في النضوب بمعدلات سريعة.
ضرورة الاستجابة العالمية السريعة
من الضروري تقديم دعم دولي عاجل لتوفير المعدات الطبية الحيوية ودعم الزيادة اللازمة في الإنفاق الصحي، بالإضافة إلى توفير بعض أشكال الحماية الاجتماعية والدعم الاقتصادي لتخفيف المعاناة الإنسانية. ومن شأن هذا أن يساعد تلك البلدان الهشة على تجنب الأسوأ، بما في ذلك إمكانية تصاعد الصراعات.
وللمجتمع الدولي دور أيضا في مساعدة البلدان الهشة على توزيع هذه الموارد الإضافية على المجتمعات المحلية بأفضل السبل الممكنة. وسيساعد هذا على تخفيض خطر أن يؤدي التوزيع غير المتساوي للخسائر البشرية والاقتصادية على الفصائل السياسية والمجتمعات المحلية إلى إذكاء التوترات وانعدام الأمن والعنف المحلي – كما شوهد في البلدان التي تأثرت بتفشي فيروس إيبولا. كذلك يؤدي توزيع الموارد بشكل مدروس إلى تخفيض مخاطر اتهام اللاجئين أو النازحين داخليا بالتسبب في نشر المرض.
ويقدم الصندوق، إلى جانب مؤسسات مالية دولية أخرى، المشورة بشأن السياسات والدعم اللازم لمعالجة التحديات الاقتصادية، وتستفيد حاليا أفغانستان*، وجيبوتي، واليمن من التمويل الطارئ و/أو تخفيف أعباء الديون. وبالتوازي مع ذلك، بدأت الأمم المتحدة تعبئة الموارد لتمويل خطة للاستجابة تعادل 2 مليار دولار أمريكي ودعت إلى وقف إطلاق النار على مستوى العالم – وهو ضرورة للسماح باستجابة طبية ملائمة.
وفي هذا الصدد، قال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، إن "التحرك القوي في هذا الاتجاه سيحمي التقدم في الإصلاحات الذي حققته بعض البلدان بشق الأنفس، ويتجنب أزمة إنسانية جديدة، مما يحد من الخطر المزدوج المتمثل في الطلب المستقبلي على المعونة الدولية وزيادة تدفقات اللاجئين".
تحويل الأزمة إلى فرصة
مع الدعم الكافي، يمكن للبلدان التي تقف على حافة الخطر أن تحول هذه الأزمة إلى فرصة. فأزمة جائحة كوفيد-19، وخطر ظهور موجة ثانية منها، يمثلان دعوة للعمل من أجل تكوين القدرات الأساسية في مجالي الصحة والحماية الاجتماعية، ولدمج اللاجئين بصورة أفضل، وبناء مصداقية أكبر للدولة، وكلها يعزز الركيزة التي يقوم عليها الاستقرار الاجتماعي والسياسي في الفترة المقبلة.
ويمكن أن تؤدي الأزمة أيضا إلى تعجيل التقدم نحو زيادة الرقمنة، وتوليد مكاسب أوسع نطاقا في مجالات مثل الشفافية، وكفاءة الخدمة العامة، وإدارة الضرائب. ومن الممكن أيضا توسيع نطاق الاقتصاد الرسمي، وهو ما يمكن أن يحسن وصول الأفراد والشركات في المستقبل إلى السلع الأولية، والخدمات، والتمويل، والأسواق.
* بالانجليزية