5 min (1325 words) Read

بعد الخروج من ربقة الفقر والوصول إلى مقعد البرلمان، تود "تاباتا أمارال" البرازيلية أن يكون نجاح نوابغ المستقبل ناتجا عن الفرص التي تتيحها السياسات وليس من قبيل الحظ

 

تحدثنا تاباتا أمارال قائلة: أنا هنا اليوم بفضل أولمبياد الرياضيات للمدارس العامة، وهي تقصد بكلمة "هنا" مكتبها في مجلس النواب البرازيلي حيث خصصت النائبة البالغة من العمر 31 عاما، وتشغل منصبها لثاني فترة انتخابية، بعضا من وقتها للحديث مع مجلة التمويل والتنمية في مقابلة عبر الفيديو في نفس اليوم الذي كان مقررا فيه التصويت على ميزانية البرازيل الفيدرالية لعام 2025.

وتشكل سيرة حياة أمارال، الطفلة النابغة في مجال العلوم التي أصبحت ناشطة في مجال التعليم ونجما صاعدا في مجال السياسة، مثالا حيا لتألق الموهبة الفردية وتحديات الحياة الواقعية أمام تنمية المواهب، على السواء، لا سيما بالنسبة للأطفال من خلفيات متواضعة: وترى أمارال، حسبما جاء على لسانها، أنه ينبغي قبل الإنفاق على المختبرات العلمية والمنح الدراسية البدء أولا بتوسيع آفاق الأطفال، أو ترسيخ مبدأ "الحق في الحلم"؛ "فكيف يمكن للمرء أن يحلم بشيء إن كان لا يعلم حتى بوجوده"؟

وُلِدت تاباتا في حي فقير على مشارف مدينة ساو باولو، أكبر مدن البرازيل وأكثرها ثراء وعدم مساواة، لأم تعمل مدبرة منزل وأب يعمل محصلا لتذاكر حافلات النقل. وكانت طالبة متألقة منذ طفولتها، حيث فازت في سن الحادية عشرة بأولى ميدالياتها في أولمبياد الرياضيات للمدارس العامة في البرازيل. وكانت الجائزة هي الالتحاق بدورة تعليمية تكميلية خلال عطلة نهاية الأسبوع، مقترنة بمبلغ مالي صغير كمصروف جيب. "وأتاح لي ذلك فرصة لأعلم، في سن الحادية عشرة، أن العالم كبير"، وهو ما يعني في ذلك الوقت أن أتمكن من الذهاب لأول مرة إلى الأحياء الثرية من المدينة. "وقد منحني ذلك الحق في الحلم بمستقبل مختلف".

وواصلت تاباتا مسيرتها بعد ذلك لتفوز بأكثر من 40 ميدالية في أولمبياد الرياضيات والكيمياء وعلوم الروبوتات والفلك والفيزياء الفلكية، في البرازيل وفي الخارج (كالفتاة الوحيدة دائما ضمن الفريق الوطني)، ثم حصلت على منحة دراسية للالتحاق بإحدى مدارس الصفوة للتعليم الثانوي. وبذلك أصبحت أول من يتمكن من أفراد عائلتها من إتمام التعليم الثانوي. وبعد فترة قصيرة من الالتحاق بأبرز جامعات البرازيل المرموقة لدراسة علوم الفيزياء، فازت أمارال بعروض لمنح دراسية كاملة للالتحاق بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا وجامعات كولومبيا وهارفارد وبرينستون وبنسيلفانيا وييل في الولايات المتحدة.

واختارت الالتحاق ببرنامج دراسة الفيزياء الفلكية في جامعة هارفارد. وبعد أربعة أيام من إخطارها بقبولها في الجامعة، أقدم والدها، الذي كان يعاني منذ فترة طويلة من مشكلات في الصحة النفسية وإدمان المخدرات، على الانتحار. وانطلاقا من شعورها بالذنب لمغادرة أسرتها المنكوبة، فكرت أمارال في العدول عن الالتحاق بالدراسة. وفي هذا الصدد، قالت "لقد شعرت وكأن الحياة تقول لي إنه ينبغي أن أتوقف عن الحماقة وأعود إلى مكاني الذي أنتمي إليه فعليا". ولكنها ترجع الفضل لمدرسيها السابقين في إعادتها على المسار الصحيح: "قالوا إنني إذا أضعت هذه الفرصة فإنها لن تأتي مرة أخرى لفتاة فقيرة من البرازيل".

نقطة تحول

وفي الفصل الدراسي الثالث بجامعة هارفارد، وفي إطار استيفاء متطلبات الدراسات التعليمية العامة، سجلت أمارال في فصل دراسي عن العلوم السياسية المقارنة في أمريكا اللاتينية. وكانت نقطة تحول. وتقول "كان ذلك أشبه ما يكون متعلقا بحياتي الشخصية، أي عدم المساواة في أمريكا اللاتينية. لماذا أنا هنا وليس أحد غيري؟" وكان أستاذ هذا الفصل يمازح أمارال، التي أمضت قرابة عام ونصف العام في دراسة اللغة الإنجليزية قبل الالتحاق بجامعة هارفارد، ويقول "إنها صاحبة أسوأ لغة إنجليزية وأفضل أسئلة". ورغم العدد الكبير من الميداليات العلمية التي نالتها، فقد غيرت أمارال تخصصها الدراسي من الفيزياء الفلكية إلى العلوم السياسية وتخرجت من الجامعة بامتياز مع مرتبة الشرف حيث كان موضوع رسالتها حول فعالية إصلاحات التعليم في البرازيل - محققة كل ذلك وهي تعمل في عدة وظائف لدعم أسرتها.

وبعد عودة أمارال إلى موطنها في 2014، أسست في البداية منظمة لمؤازرة قضايا التعليم، والتي سرعان ما نالت الجوائز التقديرية والتمويل الدولي. وفي عام 2018، وهي في الخامسة والعشرين من عمرها، ترشحت لعضوية مجلس النواب البرازيلي وحصلت على سادس أعلى مجموع أصوات من بين 70 مشرعا تم انتخابهم في ساو باولو، أكثر ولاية مكتظة بالسكان في البرازيل. وفي عام 2022 أُعيد انتخابها بزيادة الثُلث في عدد الأصوات مقارنة بأول مرة. وفي السنة الماضية ترشحت لمنصب عمدة مدينة ساو باولو. ورغم أنها خرجت من السباق الانتخابي في المركز الرابع بعد معركة تنافسية عنيفة، فقد استطاعت أن تضاعف تقريبا عدد الأصوات التي حصلت عليها مقارنة بالانتخابات السابقة.

ولدى انضمام أمارال إلى مجلس النواب، كانت إحدى أولوياتها هي تأمين التمويل اللازم لأولمبياد الرياضيات التي أتاحت لها إلقاء أول نظرة خاطفة على العالم الأوسع. فهذا البرنامج الذي أنشأته وزارة العلوم والتكنولوجيا في عام 2004 - وهو العام نفسه الذي حصلت فيه أمارال على أولى ميدالياتها الكثيرة - تعرض لتخفيضات كبير في ميزانيته على مر السنين، رغم الأدلة على أن فوز أحد الطلاب بميدالية في مجال العلوم يترتب عليه انخفاض التغيب عن الدراسة في مدرسته بأكملها وارتفاع نسبة الالتحاق بالجامعات في وقت لاحق. وعن ذلك تقول أمارال إن هذه البرامج هي بمثابة "سياسة غير مكلفة وفعالة".

والحفاظ على نشاط مسابقات علوم الرياضيات ربما يكون له معنى أعمق وشخصي بالنسبة للسيدة أمارال. فقد تصادف أن الوزير الذي جعل هذه المسابقات حقيقة قائمة هو والد صديقها الحميم منذ خمس سنوات، جواو كامبوس - وهو أيضا سياسي شاب صاعد، التقته لأول مرة كمشرِّع زميل وحقق فوزا يسيرا في العام الماضي لإعادة انتخابه عمدة لمدينة ريسيفي، عاصمة ولاية بيرنامبوكو في المنطقة الشمالية الشرقية من البرازيل.

وتعترف أمارال قائلة، "إن مسار حياتي معجزة إحصائية؛ فهناك أمور كثيرة كان يمكن أن تأخذ اتجاها سلبيا، لكنني كنت محظوظة جدا". ولذلك فإنها تركز على إنشاء آليات تسمح للطلبة الموهوبين الآخرين بالاعتماد على السياسات بدلا من الحظ. وينطوي الجزء الأول من تلك السياسات على توسيع آفاقهم ومساعدتهم في تطوير قدرتهم على الحلم. وتقول "عندما تكون فقيرا فإنك تشب بدون أي مرجع أو مثل تحتذي به. وتجد نفسك لا تعلم حتى كيف يمكنك الالتحاق بالجامعة. ونحن نريد أن نبين للأطفال أن العالم كبير وأن بإمكانهم التعرف عليه من خلال التعليم والرياضة والثقافة".

وكانت مقترحاتها التعليمية في سياق حملتها الانتخابية لمنصب عمدة المدينة قد تضمنت نظام اليوم الدراسي الكامل، والبرامج العامة لتعليم اللغات الأجنبية، وبرامج للتبادل الطلابي الدولي للشباب. وحول ذلك تقول "إن تكلفة إرسال الأطفال للخارج لمدة ستة أشهر أقل من الاضطرار في نهاية المطاف إلى احتجازهم في السجون لنفس الفترة الزمنية في وقت لاحق"، وأضافت قائلة إن هذه مقارنة قائمة على الوقائع وليست بلاغية. 

وإذا كان إلحاق الطفال بالمدارس صعبا، فإن إبقاءهم فيها حتى تخرجهم يفرض مجموعة مختلفة من التحديات. فقد أعدت أمارال مشروع برنامج يؤسس لتوفير التمويل في شقين لطلبة المرحلة الثانوية من ذوي الدخل المنخفض: مصروف جيب شهري وصندوق ادخار لا يتاح للطالب الاستفادة به إلا بعد التخرج من التعليم الثانوي. فهي تعلم بنفسها كيف يمكن لمبلغ من المال حتى لو كان صغيرا أن يبدل الواقع المرير للأطفال المتسربين من المدارس للبحث عن عمل ومساعدة أسرهم. وتقول عن ذلك "عندما حصلت على ذلك الراتب الصغير لأول مرة، في سن الحادية عشرة، اتضح لأسرتي أن بوسعي كسب المال مع المواظبة على الدراسة. وكان ذلك بمثابة إشارة رمزية للغاية".

أحلام كبيرة

عملت أمارال مع مجموعة من الاقتصاديين لتصميم ذلك المشروع، استنادا إلى أدلة تبين أن ارتفاع نسبة الغياب عن الدراسة وانخفاض مستويات التعليم يكلفان الحكومات الكثير في نهاية المطاف. "فالطالب المتسرب من التعليم الثانوي ينخفض متوسط عمره المتوقع بنحو أربع سنوات، وتقل إنتاجيته، وتزداد احتمالية دخوله السجن أو تتدهور صحته بدرجة كبيرة"، وفقا لما تقوله أمارال استشهادا بدراسة بحثية أعدها الاقتصادي "ريكاردو بايس دي باروس" حيث يقدر التكلفة الكلية على المجتمع نتيجة تغيب الطلاب عن الدراسة بنسبة قدرها 3% من إجمالي الناتج المحلي. ويفيد حاليا من هذا البرنامج، الذي دخل حيز التنفيذ في مارس 2024، أكثر من 3 ملايين طالب.

وكخطوة تالية تود أمارال أن توسع نطاق هذا البرنامج ليشمل طلاب الجامعة ذوي الدخل المنخفض، وهي تعلم تماما أن كثيرا من المشكلات نفسها تتفاقم في المرحلة التالية. وعن ذلك تقول إن الطلاب الفقراء بحاجة للتغلب على الحواجز والوصمات الاجتماعية – "فقد سمعت مرارا عبارة سينتهي بي الأمر على الأرجح مدمنا للمخدرات مثل أبي" - بالإضافة إلى التغلب على العقبات المالية غير المعروفة لمن ينتمي للطبقة المتوسطة. "وعندما تبدأ الأحلام الكبيرة تراود هذا الطفل فإنه سيصبح مجدا في عمله وتتضح أمام عينيه طبيعة أهدافه. ولكن في نهاية المطاف، إن لم يكن لديك المال لكي تستقل حافلة النقل العام، فإن الأمر سيصبح في حكم المنتهي".

أندرياس أدريانو هو من فريق العمل في مجلة التمويل والتنمية.

الآراء الواردة في هذه المقالات وغيرها من المواد المنشورة تعبر عن وجهة نظر مؤلفيها، ولا تعكس بالضرورة سياسة صندوق النقد الدولي.