2 min (602 words) Read

السياسات الذكية التي تساعد البشر في تحقيق إمكاناتهم من شأنها إحداث تحول هائل عبر مجتمعات بأسرها

 

كل قفزة كبيرة على طريق التقدم الإنساني – بداية من الصحافة المطبوعة مرورا بالمحركات البخارية وحتى أشباه الموصلات – كانت وليدة فكرة. لكن الأفكار لا تأتي من فراغ، بل من البشر. وغالبا ما تكون العقول الأكثر موهبة بين البشر هي القادرة على دفع حدود الممكن.

ويجعل ذلك من المواهب المورد الأقيم على الإطلاق الذي يمكنه حفز الابتكار والنمو في العالم. والبلدان التي تُعِد أفضل العقول تجني ميزة تنافسية هائلة. ومن يخفق منها في ذلك لا يشهد بطئا في مسيرة تقدمه فحسب – بل إن العالم يخسر بدوره أيضا. فكل عبقرية لم تستغل هي اكتشاف لن يتحقق، أو تكنولوجيا لن ترى النور، أو مجال لن يشهد أبدا الانطلاقة المرجوة. وقد تأتي الفكرة التي ستقود التحول التالي - علاج لمرض ما، أو تكنولوجيا ثورية – من أي مكان، بشرط إتاحة الفرصة للعقول المؤهلة لتحقيق كامل إمكاناتها.

وتبدي المجتمعات اهتماما قويا بإتاحة المزيد من الفرص لأفرادها ليكونوا علماء ومخترعين ورواد أعمال. ويبحث روشير أغاروال وباتريك جول في ما يطلقان عليه المعادلة المفقودة: ما هو السبيل الأمثل إلى اكتشاف العبقريات الشابة ورعايتها وتمكينها، ولا سيما في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. فإغفال موهبة واحدة فحسب يعني التضحية برؤى قد تُحدث تحولا في مجالات بأكملها. وغالبا ما تخفق الاقتصادات النامية في الكشف عن أكفأ مواهبها مبكرا، مما قد يؤدي إلى عدم استغلالها.

لننظر إلى تاباتا أمارال على سبيل المثال، الطفلة النابغة من البرازيل التي صعد نجمها – من خلفية متواضعة إلى أحد أبرز المفوهين في المجال السياسي – بفضل أولمبياد الرياضيات للمدارس العامة. وتقول "أنا هنا اليوم بفضل هذه المنافسات". وهي حالة نادرة. فغالبا ما تظل المواهب المستترة حول العالم دون اكتشاف – لا لعدم القدرة على ذلك ولكن لعدم توافر الفرصة الملائمة.

وتوضح البيانات هذه الحقيقة. فأبحاث زافيير جارافيل من كلية لندن للاقتصاد وزملائه تشير إلى أن الحصول على التعليم والدخل الأسري والشبكات الاجتماعية جميعها عوامل تحدد من سيصبح مخترعا. فالعديد من الأطفال يمتلكون القدرة ولكن تنقصهم الظروف الملائمة لتحقيق إمكاناتهم. وتترتب على عدم استغلال المواهب تكلفة باهظة من الناحية الاقتصادية. وإذا ما حظيت المواهب الشابة حول العالم بفرص متساوية في الحصول على الموارد اللازمة لتنمية إمكاناتها، يمكن أن نشهد زيادة هائلة في حجم الإنتاج العلمي العالمي يجني الجميع ثمارها.

ويضيف الذكاء الاصطناعي بعدا جديدا إلى هذا التحدي. فتشير مارينا تافاريس، الاقتصادية بصندوق النقد الدولي، إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكنه إما تعظيم الإمكانات البشرية أو تقليص مساحة الابتكار. فإذا ما استُخدم بحكمة، فمن شأنه تمكين المواهب على نطاق غير مسبوق. أما إذا أُسيئت إدارته، فقد يؤدي إلى تركيز القوة في أيادٍ قليلة ووضع حدود للاكتشافات الخلاقة.

وفي الوقت نفسه، يشير ويليام كير من جامعة هارفارد إلى أن البلدان البارعة في استقطاب الأفضل أداء والاحتفاظ بهم ستكون أقدر على التصدي للضغوط الديمغرافية، مثل شيخوخة السكان وتباطؤ نمو الإنتاجية. والسباق العالمي من أجل المواهب لا يقتصر على العثور على ألمع العقول فقط، بل يهدف إلى تأمين المستقبل الاقتصادي.

ومن المهم الكشف عن المتميزين – ولا سيما في المجتمعات المعوزة. ولكن زيادة فرص التعليم لا تقل أهمية. ومما يمكن أن يساعد أيضا في الحد من عدم تكافؤ الفرص تطوير التعليم الثانوي وما بعد الثانوي، وتزويد الشباب بالمهارات المهنية، وتشجيع بيئة تزكي الابتكار وحل المشكلات.

ولا تزال اقتصاديات المواهب مجالا وليدا، ولكن يتضح شيء واحد؛ وهو أن السياسات الذكية التي تساعد البشر في تحقيق إمكاناتهم من شأنها إحداث تحول عبر مجتمعات بأسرها. ونأمل أن تبعث مقالات هذا العدد شرارة فكر جديد بين صناع السياسات والقادة. وبتسليط الضوء على المواهب، نهدف إلى إحراز تقدم حقيقي في المجالات الأهم على الإطلاق من خلال خلق مساحات أكبر للتميز البشري لمواجهة تحديات هذا العصر.

غيتا بهات، رئيس التحرير في مجلة التمويل والتنمية.

الآراء الواردة في هذه المقالات وغيرها من المواد المنشورة تعبر عن وجهة نظر مؤلفيها، ولا تعكس بالضرورة سياسة صندوق النقد الدولي.