تحديات متصاعدة وأوقات حاسمة
في ظل استمرار تدهور الأوضاع العالمية، تعاني اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى من مجموعة صدمات متزامنة: تباطؤ الاقتصاد العالمي، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وتقلبها، وتشديد الأوضاع المالية بأسرع وأقوى من المتوقع، ومخاطر التشتت. وتضررت اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات متوسطة الدخل والبلدان منخفضة الدخل في المنطقة بشدة، حيث يواجه عدد كبير منها قيودا على النفاذ إلى أسواق التمويل، بينما تتمتع البلدان المصدرة للنفط بهوامش مالية وقائية بفضل استمرار ارتفاع أسعار الطاقة. ورغم أن الآثار السلبية للحرب الروسية على أوكرانيا جاءت أقل حدة من المتوقع حتى الآن في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، فإن الارتباط القوي بين المنطقة وروسيا يفرض مخاطر هائلة على آفاقها الاقتصادية. وبات التحدي الأكثر إلحاحا على صعيد السياسات في جميع البلدان متمثلا في التصدي لأزمة تكلفة المعيشة عن طريق استعادة استقرار الأسعار، وحماية الفئات الضعيفة من خلال الدعم الموجه للمستحقين، وضمان تحقيق الأمن الغذائي. وأصبحت المفاضلة بين السياسات أكثر أهمية من أي وقت مضى في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات متوسطة الدخل والبلدان منخفضة الدخل نظرا لحاجتها أيضا إلى بقاء الدين في حدود مستدامة والحفاظ على الاستقرار المالي. وأمام البلدان المصدرة للنفط فرصة لتعظيم المنافع المتحققة من عائدات النفط الاستثنائية ببناء هوامش مالية وقائية والمضي قدما نحو تنفيذ خطط التنويع الاقتصادي. وينبغي لبلدان القوقاز وآسيا الوسطى تقييم التداعيات المبدئية للحرب في أوكرانيا بدقة من حيث حجمها ومدى استمراريتها وتعديل مزيج السياسات على هذا الأساس. ومع ضيق الحيز المتاح للاستجابة من خلال السياسات في عدد كبير من البلدان، تغدو الحاجة إلى الإصلاحات الهيكلية أكثر إلحاحا بهدف تعزيز النمو الاقتصادي وإحداث التحول اللازم في الاقتصادات بما يجعلها أكثر صلابة واستدامة وتنوعا واحتواء.
هل يتكرر الماضي؟ انعكاسات الارتفاع الحاد في أسعار السلع الأولية على المالية العامة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
تنشأ عن ارتفاع الأسعار العالمية للغذاء والوقود ضغوط متزايدة على المالية العامة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الوقت الذي تعاني فيه بلدان المنطقة من تشديد الأوضاع المالية العالمية وحالة عدم اليقين غير المسبوقة، بينما تراجع الحيز المالي المتاح من خلال السياسات بسبب الجائحة. وفي الماضي، استجاب صناع السياسات سريعا لنوبات ارتفاع أسعار السلع الأولية للتخفيف من تداعياتها. غير أن استجابتهم لم تقترن في الغالب بآليات استهداف واضحة أو خطط مسبقة، مما أدى إلى تداعيات سلبية على المالية العامة وتوزيع الدخل، بما في ذلك (1)التراخيالشديد والمستمر في تطبيق سياسة المالية العامة، و(2) زيادة جمود الميزانية و(3) الانتقاص من عدالتها، فضلا عن (4) غياب تدابير الضبط المالي اللازمة لموازنة هذه التداعيات. ونتيجة لهذه الاستجابات، تفاقمت المخاطر التي تهدد استدامة القدرة على تحمل الدين في البلدان المستوردة للنفط، وطبقت البلدان المصدرة للنفط سياسات مالية مسايرة للاتجاهات الدورية أعقبها تصحيح مالي حاد بسبب هبوط أسعار النفط. واستجاب معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مجددا من خلال تطبيق سياسات مماثلة لما شهدناه في السابق، ولا سيما الدعم المعمم للأسعار، ولكن على نطاق أضيق بسبب استمرار تقلص الحيز المالي وما تم إحرازه من تقدم – منقوص – نحو إصلاح نظام الدعم. وبينما تتوقع البلدان توسع مالياتها العامة إلى حد ما في عام 2022 مقارنة بتنبؤات ما قبل الحرب، من المنتظر أن تواصل مسارها التصحيحي مستقبلا. وبينما لا تزال الآفاق العالمية محفوفة بالتحديات في ظل مخاطر معاكسة غير مسبوقة، ينبغي لصناع السياسات على مستوى المنطقة النظر في (1) اتخاذ تدابير فعالة من حيث تكلفتها لمواجهة الضغوط الناجمة عن تزايد أسعار الغذاء والوقود، و(2) تنفيذ إصلاحات لدعم صلابة المالية العامة، بما في ذلك الحد من الاعتماد على الوقود، قبل بداية دورة السلع الأولية التالية.
الحرب في أوكرانيا: مخاطر زيادة الفقر وعدم المساواة في القوقاز وآسيا الوسطى
تؤثر الحرب الروسية في أوكرانيا على البلدان في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى من خلال قنوات متعددة. وينظر هذا الفصل في التأثير المحتمل على الفقر وعدم المساواة نتيجة لتفاقم الضغوط التضخمية والمخاطر المحتملة من انخفاض تدفقات تحويلات العاملين في الخارج في أعقاب الحرب. وبناء على عمليات محاكاة أُجريت باستخدام بيانات جزئية من مسوح ميزانية الأسرة، من المحتمل أن تفضي الحرب في أوكرانيا إلى زيادة الفقر بنحو نقطة مئوية واحدة وعدم المساواة بنحو1%، وانخفاض استهلاك الأسر الحقيقي بنحو نقطتين مئويتين في المتوسط. ومن المتوقع أن تتحمل أفقر بلدان المنطقة العبء الأكبر من التأثير على الفقر والذي من شأنه أن يزداد بما يقرب من ضعف المتوسط على مستوى المنطقة ويضيف إلى التحديات الصعبة بالفعل على مستوى السياسات. وبالمثل، فإن الأسر الأفقر على مستوى المنطقة هي الأشد تعرضا للمخاطر من ارتفاع أسعار الغذاء والتراجع المحتمل في تحويلات العاملين في الخارج. وسوف يكون تخفيف التأثير المحتمل من الحرب على الضعفاء ضمن أهم أولويات صناع السياسات وسيقتضي توفير شبكات أمان اجتماعي أقوى. وفهم آثار الحرب المتباينة بين الأسر والبلدان من شأنه أن يساعد على تصميم برامج لدعم السياسات وتوجيهها بشكل أفضل إلى أولئك الأشد احتياجا.
مطبوعات
-
سبتمبر 2024
التقرير السنوي
- الصلابة في مواجهة التغير
-
ديسمبر 2024
مجلة التمويل والتنمية
- إقتصاديات الإسكان
-
أبريل 2024
منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى
- أحدث إصدار