كيف يمكن لصناع السياسات تعزيز الاستثمار الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان؟
19 نوفمبر 2018
مع دخول ملايين الشباب إلى سوق العمل سنويا، وازدياد حدة القيود على موارد المالية العامة، وتصاعد المخاطر الاقتصادية تقف حاليا بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان عند لحظة فارقة. وبينما يمثل تعزيز القطاع الخاص مطلبا حيويا لمواجهة هذا التحدي، فقد ظل السبيل لذلك – أي زيادة الاستثمار الخاص في المنطقة – بعيد المنال لفترة طويلة.
وفي واقع الأمر، ظل استثمار القطاع الخاص منخفضا بالمقاييس التاريخية في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان مقارنة بمعظم اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية الأخرى. وتفاقم هذا الاتجاه العام في السنوات الأخيرة. ففي نصف بلدان المنطقة، انخفضت نسبة الاستثمار الخاص إلى إجمالي الناتج المحلي منذ "الانتفاضة العربية" في 2011، مقارنة بالفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية في 2008-2009. وكان لهذا التراجع أثر عميق على سلامة الاقتصاد في المنطقة، الأمر الذي تحول إلى خسارة سنوية في النمو بمتوسط قدره 1.5 نقطة مئوية في البلدان المصدرة للنفط وما يقرب من نقطة مئوية واحدة في البلدان المستوردة للنفط.
ووسط تزايد المخاطر التي تكتنف آفاق الاقتصاد العالمي، واستمرار الابتكار التكنولوجي الذي يبشر بتغيير الطبيعة التي دأب عليها العمل، يتعين على بلدان المنطقة التعجيل بإجراء إصلاحات جريئة إذا ما أرادت أن تحقق النمو الاحتوائي اليوم ولصالح الأجيال القادمة. ويبحث العدد الأخير من تقرير الصندوق حول آفاق الاقتصاد الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في هذا التحدي الحاسم على مستوى السياسات ويخلص إلى أن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان بوسعها استقطاب الاستثمار إلى المنطقة ووضع الأساس لمستقبل أكثر رخاء بالتركيز على تحقيق عدة أولويات.
ماذا يعيق الاستثمار الخاص في المنطقة؟
بعض العوامل التي تعزز الاستثمار الخاص – مثل نمو أسواق التصدير وتطور أسعار النفط – لا تخضع لسيطرة صانعي السياسات في المنطقة. غير أن التقرير يشير إلى عوامل أخرى لها تأثير ملحوظ على الاستثمار الخاص، ومنها التعليم والبنية التحتية والحوكمة وإمكانية الحصول على التمويل – وجميعها مجالات بإمكان بلدان المنطقة تحسينها – ويمكن أن تتأثر مباشرة باختيارات السياسات.
فعلى سبيل المثال، نجد أن معدل الالتحاق بالمدارس في البلدان المستوردة للنفط يزيد قليلا على 50% بالنسبة للتعليم الثانوي، وهو أقل كثيرا من المتوسط في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية الذي يصل إلى 75%. فإذا تمكنت البلدان المستوردة للنفط في المنطقة من رفع معدلات الالتحاق بالمدارس إلى هذا المستوى سيكون بوسعها تعزيز الاستثمار الخاص بأكثر من نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي. فالاستثمار في الموارد البشرية عن طريق توسيع الفرص التعليمية يمكن أن يساهم أيضا في زيادة قدرة البلدان على مواجهة تحديات المستقبل، خاصة وقد أصبحت التكنولوجيا سريعة التطور أكثر تضافرا مع وظائف الغد.
وتمثل تحسينات البنية التحتية حاجة ملحة أخرى. فعلى سبيل المثال، يمكن من خلال ضمان توافر الكهرباء للجميع تحقيق زيادة في الاستثمار بواقع ثلاثة أرباع نقطة مئوية إضافية. ويناقش التقرير كذلك كيفية إيجاد الحيز للإنفاق العام الضروري لدعم هذه الاستثمارات الحيوية.
وتأتي البلدان المستوردة للنفط في مراكز متأخرة عن نظرائها في مختلف مقاييس الحوكمة، من مكافحة الفساد إلى سيادة القانون. ومن شأن النهوض بسيادة القانون وصولا إلى المتوسط السائد في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية أن يحقق زيادة في الاستثمار الخاص بواقع ثُلثي نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي. وبالتوازي، نجد أن زيادة التطور المالي في البلدان المستوردة للنفط في المنطقة وصولا إلى المستوى السائد في أوروبا الصاعدة يمكن أن يعزز الاستثمار الخاص بواقع نصف نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي.
ولا يقتصر هذا التحدي على بلدان المنطقة المستوردة للنفط، فالبلدان الأغنى المصدرة للنفط متأخرة أيضا عن ركب نظرائها من الاقتصادات المتقدمة في مختلف مقاييس الحوكمة والتطور المالي. وعلى وجه التحديد، مع زيادة التطور المالي لبلوغ المستوى المسجل في متوسط الاقتصادات المتقدمة يمكن تحقيق زيادة في الاستثمار الخاص بنحو نقطتين مئويتين من إجمالي الناتج المحلي.
حاجة ملحة لاتخاذ الإجراءات
الحاجة لاتخاذ إجراءات على مستوى السياسات أصبحت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان. وأصبح صناع السياسات بحاجة للتركيز على الإصلاحات التي تساعد بلدانهم على اللحاق بركب نظرائها في مجالات التعليم والبنية التحتية والتطور المالي والحوكمة. ومن شأن هذه الإصلاحات المساعدة في موازنة أثر التيارات المعاكسة الناجمة عن المؤثرات العالمية خارج نطاق سيطرة صناع السياسات. وهذا هو السبيل الذي يتعين اتباعه لتعزيز الصلابة الاقتصادية وتحديد المسار نحو تحقيق نمو أعلى وأكثر احتواء لمختلف شرائح المجتمع في المستقبل.