إصلاح السقف والفرصة سانحة: ثلاث أولويات للاقتصاد العالمي
11 أبريل 2018
مساء الخير!
أشكر معهد آسيا العالمي وجامعة هونغ كونغ على ما لقيته من ترحيب بعودتي إلى هذه المدينة الرائعة.
وأنا، كغيري، يبهرني دائما مذاق هونغ كونغ الخاص. يكفي أن ننظر إلى إبداع أهلها وطاقتهم الهائلة... إلى قدرتهم ليس فقط على التكيف مع التغيير بل العمل الدؤوب على تشكيل مستقبلهم.
إن التحول الذي شهدته هونغ كونغ – من قاطرة للصناعة التحويلية إلى محرك للتجارة العالمية ومركز مالي بمستوى عالمي – يعكس التزامها الفريد بالانفتاح، بالجمع بين المواهب المحلية من ناحية والأفكار المبتكرة والخبرة المتخصصة من مختلف أنحاء العالم من ناحية أخرى.
وبالطبع، مع زيادة الانفتاح الاقتصادي تزداد الحساسية تجاه الاتجاهات العالمية المتغيرة.
وأهل هونغ كونغ يدركون تماما أن تاريخ الاقتصاد لا يتحرك أبدا في خط مستقيم، إنما يسير في دورات. ويعلمون أن الاقتصاد حين يكون في حالة تحرك – صعودا أو هبوطا – لا يمكن لصناع السياسات أن يقفوا أمامه مكتوفي الأيدي.
وهذه هي قصة اقتصادنا العالمي أيضا.
فالعالم يمر حاليا بفترة صعود قوي تبشر بارتفاع الدخول ومستويات المعيشة. ومن الضروري تحقيق هذا الأمل الواعد، ليس فقط هنا في آسيا، إنما في جميع أنحاء العالم أيضا.
وما زلت أدعو كل الحكومات للاستفادة من زخم النمو الحالي للقيام بإجراءات السياسة اللازمة وتنفيذ الإصلاحات الضرورية، وخاصة في أسواق العمل وقطاعات الخدمات.
وبعبارة أخرى، ينبغي إصلاح السقف بينما الشمس لا تزال ساطعة.
وهذه الإصلاحات غالبا ما تكون صعبة من المنظور السياسي، لكن تنفيذها يصبح أسهل وأكثر فعالية عندما تكون الاقتصادات في حالة صعود وليس هبوط.
وقد بدأت بعض الحكومات تتحرك في هذا الاتجاه بالفعل، لكن المزيد من العمل لا يزال مطلوبا.
إن الفرصة سانحة. لكن الحاجة لهذا العمل أصبحت الآن أكثر إلحاحا نظرا للزيادة الكبيرة في أوجه عدم اليقين – من التوترات التجارية إلى تصاعد المخاطر المحيطة بالنظام المالي والمالية العامة إلى زيادة عدم اليقين الجغرافي-السياسي.
فكيف يمكن أن نحافظ على الصعود الاقتصادي الراهن في مواجهة هذه المخاطر المتزايدة؟ وكيف يمكننا تعزيز النمو طويل الأجل الذي يعود بالنفع على الجميع؟
هذه هي القضايا التي سيناقشها وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في اجتماعات الربيع التي يعقدها الصندوق والبنك الدولي الأسبوع القادم.
وهي القضايا التي أود أن أتحدث عنها اليوم.
والخبر السار هو أن المشهد الاقتصادي مشرق في معظمه – الشمس لا تزال ساطعة.
فنحن نرى الزخم العالمي المدفوع بزيادة الاستثمار، وتعافي التجارة، والأوضاع المالية المواتية – مما يشجع الشركات والأسر على زيادة الإنفاق.
ولهذا توقع الصندوق في يناير أن يبلغ النمو العالمي 3.9% في عامي 2018 و 2019، وكما سترون في تنبؤاتنا الأسبوع القادم، نحن لا نزال متفائلين.
فالاقتصادات المتقدمة يُتوقع أن تحقق نموا أعلى من المستوى الممكن على المدى المتوسط في العامين الحالي والقادم. وفي أوروبا، على سبيل المثال، أصبح الصعود الاقتصادي أوسع نطاقا عبر بلدان المنطقة.
وقد وصلت الولايات المتحدة بالفعل إلى مستوى التشغيل الكامل، ومن المرجح أن تزداد سرعة النمو نظرا لسياسة المالية العامة التوسعية.
وفي نفس الوقت، لا تزال الآفاق مشرقة هنا في آسيا – وهو أمر جيد للجميع، لأن هذه المنطقة تساهم بنحو ثلثي النمو العالمي.
فالاقتصاد يواصل نموه القوي في اليابان، بينما يرتكز النمو في الأسواق الآسيوية الصاعدة – بقيادة الصين والهند – على تزايد الصادرات وارتفاع الاستهلاك المحلي.
ولا تزال التحديات قائمة في بعض البلدان الصاعدة والنامية الأخرى – بما فيها إفريقيا جنوب الصحراء – وإن كانت البلدان المصدرة للسلع الأولية تشهد صعودا اقتصاديا متواضعا.
إذن نعم، المشهد العالمي مشرق في الوقت الراهن.
لكننا نستطيع رؤية غيوم داكنة تلوح في الأفق.
والواقع أن الزخم المتوقع لعامي 2018 و 2019 سيتباطأ في نهاية المطاف.
سيتباطأ لأن التنشيط المالي بدأ ينحسر، وهو ما يشمل الولايات المتحدة والصين؛ ولأن أسعار الفائدة آخذه في الارتفاع والأوضاع المالية تزداد شدة مع عودة البنوك المركزية الكبرى إلى السياسة النقدية العادية.
أضف إلى ذلك قضية شيخوخة السكان وضعف الإنتاجية فتكون أمام آفاق تحيط بها التحديات على المدى المتوسط، وخاصة في العالم المتقدم.
فما الذي يستطيع صناع السياسات القيام به؟ أرى ثلاث أولويات يمكن أن تُحْدِث فرقا في هذا الصدد.
1- الابتعاد عن الحمائية
أولا – ينبغي للحكومات أن تبتعد عن الحمائية بكل أشكالها.
فالتاريخ يشير بوضوح إلى الضرر الذي تلحقه قيود الاستيراد بالجميع، وخاصة المستهلكون الفقراء.
فهي لا تقود إلى زيادة ثمن المنتجات ومحدودية الخيارات المتاحة فحسب، إنما تؤدي أيضا إلى منع التجارة من القيام بدورها الأساسي في دعم الإنتاجية ونشر التكنولوجيات الجديدة.
ونتيجة لذلك، حتى الصناعات المحمية ستعاني في نهاية المطاف لأنها ستصبح أقل ديناميكية من القطاعات المنافسة الأجنبية.
ومع ذلك، فغالبا ما ترتبط المناقشات حول القيود التجارية بمفهوم العجوزات والفوائض التجارية. فيرى البعض أن هذه الاختلالات تشير إلى ممارسات تجارية غير عادلة.
لكن هناك بالفعل ممارسات غير عادلة – يجب التخلص منها – ويمكن أن تترك أثراً على الموازين التجارية بين أي بلدين.
ولكن بشكل عام، تمثل هذه الاختلالات الثنائية انعكاسا لتوزيع العمل عبر الاقتصادات، بما في ذلك سلاسل القيمة العالمية.
فعلى سبيل المثال، البلد الذي يركز على تجميع الهواتف الذكية غالبا ما يكون لديه عجز تجاري ثنائي تجاه البلدان التي تنتج المكونات، وفوائض تجاه البلدان التي تشتري هذه الأجهزة كاملة الصنع.
والأهم من ذلك أن الممارسات التجارية غير العادلة لها تأثير ضئيل على العجز التجاري الكلي في أي بلد تجاه بقية بلدان العالم. ويرجع هذا الاختلال إلى أن البلد المعني ينفق أكثر من الدخل الذي يحققه.
وأفضل وسيلة لمعالجة هذه الاختلالات الاقتصادية الكلية ليست فرض تعريفات جمركية، بل استخدام سياسات تؤثر على مُجْمَل الاقتصاد، كأدوات المالية العامة أو الإصلاحات الهيكلية.
فالولايات المتحدة مثلاً يمكن أن تساعد في معالجة الاختلالات العالمية المفرطة من خلال كبح ديناميكية الإنفاق العام بالتدريج وزيادة الإيرادات – وهو ما يمكن أن يساعد على خفض عجوزات المالية العامة في المستقبل.
وتستطيع ألمانيا، وهي تواجه مشكلة شيخوخة السكان، استخدام مدخراتها الزائدة في دعم نموها الممكن، وذلك بطرق منها الاستثمارات في البنية التحتية المادية والرقمية.
فما الذي يستطيع صناع السياسات القيام به بشأن الممارسات غير العادلة؟
كل بلد عليه مسؤولية تجاه تحسين النظام التجاري بأن ينظر في ممارساته الخاصة والالتزام بتهيئة ساحة يتنافس فيها الجميع على قدم المساواة في ظل الالتزام بالقواعد المقررة.
ويتضمن هذا تحسين حماية الملكية الفكرية، والحد من تشوهات السياسات التي تعطي أفضلية لمؤسسات الدولة. وهو يعني أيضا ممارسة التجارة بناء على القواعد المستقرة – قواعد منظمة التجارة العالمية التي اتفق عليها كل البلدان الأعضاء المائة والأربعة والستين.
يمكننا جميعا عمل المزيد – لكننا لا نستطيع ذلك بمفردنا.
ولنتذكر أن النظام التجاري متعدد الأطراف أحدث تحولاً في عالمنا في الجيل الماضي. فقد ساعد على تخفيض عدد سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع بنسبة النصف، كما خفض تكاليف المعيشة وأوجد ملايين من الوظائف الجديدة بأجور أعلى.
لكن هذا النظام القائم على القواعد والمسؤولية المشتركة أصبح الآن معرضاً لخطر التمزق. وإذا تحقق هذا الخطر، سيكون بمثابة فشل جماعي لا يغتفر على مستوى السياسات.
فلنضاعف الجهود لتخفيض الحواجز التجارية وتسوية الخلافات دون اللجوء إلى إجراءات استثنائية.
ولنعمل معا للبناء على المبادرات التجارية الاستشرافية، بما في ذلك الاتفاق الذي تم مؤخراً بين اليابان والاتحاد الأوروبي، ومنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية الجديدة، والاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP-11 ).
ولنعمل على ضمان أن تساعد السياسات المتضررين من فقدان الوظائف الناجم عن التجارة أو التقدم التكنولوجي. ولنفكر في مزايا زيادة الاستثمار في التدريب وشبكات الأمان الاجتماعي – حتى يتسنى للعاملين تعزيز مهاراتهم والانتقال إلى وظائف أعلى جودة.
وفي كل هذه الجهود، نقوم في الصندوق بدعم بلداننا الأعضاء من خلال التحليل والمشورة وإتاحة منبر للحوار والتعاون.
هذا هو السبب الذي أنشئ الصندوق من أجله. وتوضح تجربتنا على مدار أكثر من سبعة عقود أن البلدان حين تعمل معا، تصبح مواجهة التحديات العالمية مهمة أسهل.
ونحن بحاجة إلى هذه الروح التعاونية لنتجنب الحمائية – ونحافظ على الانتعاش العالمي.
2- الوقاية من مخاطر المالية العامة والنظام المالي
كذلك نحتاج إلى اتقاء المخاطر التي تتعرض لها المالية العامة والنظام المالي – وهذه هي أولويتي الثانية.
وهنا تحكي لنا الأرقام كل القصة.
ففي تحليل جديد أصدره الصندوق نجد أن الدين العالمي – العام والخاص – ارتفع إلى مستوى غير مسبوق يبلغ 164 تريليون دولار أمريكي بعد عقد من الأوضاع المالية التيسيرية.
ومقارنة بمستوى عام 2007، يمكن القول بأن هذا الدين زاد بمقدار 40%، حيث تشكل مديونية الصين وحدها أكثر بقليل من 40% من هذه الزيادة .
ويعتبر القطاع الخاص محركا أساسيا لهذا التراكم، حيث يساهم في الدين الكلي بنسبة الثلثين. لكن هذه ليست القصة كلها.
فالدين العام في الاقتصادات المتقدمة بلغ مستويات لم نشهدها منذ الحرب العالمية الثانية. وإذا استمرت الاتجاهات الأخيرة، فسيواجه الكثير من البلدان منخفضة الدخل أعباء مديونية لا يمكن الاستمرار في تحملها.
ويمكن أن يصبح الدين العام في البلدان منخفضة الدخل خطرا يهدد تحقيق أهداف التنمية بالنظر إلى زيادة إنفاق الحكومات على خدمة الدين وتقليص إنفاقها على البنية التحتية والصحة والتعليم.
والخلاصة هي أن أعباء الدين المرتفع جعلت الحكومات والشركات والأسر أكثر تعرضا لتشديد الأوضاع المالية بصورة مفاجئة. ويمكن أن يؤدي هذا التحول المحتمل إلى حركات تصحيحية في السوق، وينشئ مخاوف تتعلق باستدامة القدرة على تحمل الديون، ويُحْدِث تحولات في اتجاه التدفقات الرأسمالية في الأسواق الصاعدة.
ولذلك يجب أن نستفيد من الفرصة السانحة للاستعداد لتحديات المستقبل.
ويرتبط هذا بخلق حيز أكبر يسمح بالحركة في مواجهة الهبوط الاقتصادي الذي لا محالة قادم – أو كما يحب الاقتصاديون تسميته "بناء هوامش أمان في السياسات".
ما معنى هذا على وجه التحديد؟
بالنسبة لكثير من الاقتصادات، يعني هذا تخفيض العجز الحكومي، وتعزيز أطر المالية العامة، ووضع الدين العام على مسار تنازلي تدريجي. وينبغي القيام بذلك على نحو مواتٍ للنمو من خلال رفع كفاءة الإنفاق وتطبيق ضرائب تصاعدية.
ويدعو هذا أيضا إلى السماح بمزيد من المرونة في سعر الصرف لمواكبة التدفقات الرأسمالية المتقلبة، وخاصة في البلدان الصاعدة والنامية.
وهذه الجهود تساعد على تخفيض حدة نوبات الركود وتقصير مدتها.
فعلى سبيل المثال، تشير دراسة أجريت مؤخرا إلى أن انخفاض الناتج بعد الأزمات المالية يبلغ أقل من 1% في البلدان التي تحتفظ بهوامش أمان مالية ونقدية كافية، بينما يبلغ قرابة 10% في البلدان التي لا تمتلك مثل هذه الهوامش الوقائية.
وبالتالي فإن استخدام الأدوات الاقتصادية الكلية أمر ضروري. ولكنه لا يكفي.
فمن الضروري تدعيم الاستقرار المالي عن طريق زيادة هوامش الأمان في قطاع الشركات والقطاع المصرفي، وخاصة في الأسواق الصاعدة الكبيرة مثل الصين والهند.
ويعني هذا تخفيض دين الشركات وزيادة رأس المال والسيولة في البنوك حيثما دعت الحاجة. ويعني أيضا تنفيذ سياسات تتعامل مع الرواج في أسواق الإسكان، ومنها سوق الإسكان في هونغ كونغ.
ويوضح التحليل الذي أجراه الصندوق مؤخرا أن حركة أسواق الإسكان تزداد تزامنا في المدن الرئيسية على مستوى العالم – مما يمكن أن يوسع نطاق الصدمات الاقتصادية الكلية والمالية الآتية من أي بلد.
ولهذا نحتاج إلى هوامش أمان عالمية أيضا.
ومن أسباب ذلك أن علينا إبقاء نظمنا المالية في مأمن بتجنب التراجع عن الإطار التنظيمي الموضوع منذ الأزمة المالية العالمية لتعزيز الهوامش الوقائية من رأس المال والسيولة.
وينبغي أن يواكب الإطار التنظيمي الدولي سرعة التطور على صعيد التكنولوجيا المالية لاتقاء المخاطر الجديدة من تسخير الإمكانات المتاحة.
والأهم من ذلك أننا ننشد شبكة أمان مالي عالمية قوية. وفي هذا الصدد، يقوم الصندوق بدور محوري في مساعدة البلدان على مواكبة تقلب التدفقات الرأسمالية بصورة أفضل في أوقات العسر.
ولكن من الضروري أيضا أن نشجع نموا أكثر استدامة وأكثر شمولاً للجميع على المدى الأطول. وهذه هي أولويتي الثالثة.
3- تشجيع النمو طويل الأجل الذي يعود بالنفع على الجميع
وتشجيع النمو الأقوى والأكثر احتواءً للجميع هو تحدٍ أساسي.
فإذا عادت الاقتصادات المتقدمة، كما هو متوقع، إلى تحقيق نمو مخيب للآمال على المدى المتوسط، فسوف يتفاقم عدم المساواة الاقتصادية ويزداد القلق بشأن الديون والاستقطاب السياسي.
وفي نفس الوقت، من المتوقع لأكثر من 40 بلدا صاعدا وناميا أن يصبح النمو أبطأ من مثيله في الاقتصادات المتقدمة على أساس نصيب الفرد.
ويعني هذا مزيدا من البطء في تحسين مستويات المعيشة واتساعا في فجوة الدخل بين هذه البلدان والعالم المتقدم.
وكما قلت من قبل، إن الفرصة سانحة. لكن إعطاء دفعة للإنتاجية والنمو الممكن يتطلب من البلدان تكثيف الإصلاحات الاقتصادية وإجراءات السياسة.
وأود أن أتطرق هنا إلى عاملين محتملين لإحداث تغيير جذري:
(1) الأول هو إطلاق إمكانات قطاع الخدمات، وخاصة في الاقتصادات النامية.
فكثير من هذه البلدان تُغْفِل مرحلة التصنيع التقليدية وهي تنتقل من اقتصاد قائم على الزراعة إلى اقتصاد قائم على الخدمات.
ويدعو هذا إلى القلق من إمكانية أن تظل البلدان حبيسة مستويات الإنتاجية المنخفضة فتتضاءل فرصتها في اللحاق بمستويات الدخل في الاقتصادات المتقدمة.
غير أن بحثنا الأخير يوضح أن بعض قطاعات الخدمات – وأبرزها النقل والاتصالات وخدمات الأعمال – يمكن أن تحقق مستويات إنتاجية تضاهي التصنيع.
وتلك مسألة بالغة الأهمية بالنسبة لبلدان مثل الفلبين وكولومبيا وغانا التي تتحول فيها العمالة والناتج من الإنتاج الزراعي إلى الخدمات الأعلى قيمة.
وهي مسألة مهمة أيضا لتحقيق الرفاهية الاقتصادية لملايين النساء اللاتي غالبا ما يمثلن أغلبية العاملين في صناعة الخدمات.
وليس إطلاق هذه الإمكانات بالمهمة السهلة. فهو يتطلب مزيدا من الاستثمار العام في التعليم والتدريب والمساعدة في البحث عن فرص عمل، كما يعني فتح قطاعات الخدمات أمام مزيد من المنافسة.
وهناك ما ينبغي القيام به على مستوى العالم أيضا. فنحن بحاجة إلى زيادة التجارة في الخدمات، بما في ذلك التجارة الإلكترونية، عن طريق تخفيض الحواجز في هذا المجال – وهي حواجز لا تزال شديدة الارتفاع.
(2) أما العامل الثاني الذي يمكن أن يُحْدِث تغيرا جوهريا فهو التحول إلى الحكومة الرقمية.
ويمكن للقطاعات العامة أن تقود المسار في تطبيق أحدث التكنولوجيات والأنظمة – ونحن نرى أمثلة رائعة هنا في آسيا:
- ففي الهند، يتلقى المواطنون دعما وإعانات اجتماعية تودع مباشرة في حساباتهم المصرفية التي ترتبط بمحدِّدات متفردة للهوية على أساس المقاييس الحيوية.
- وفي أستراليا، تجمع السلطات الضريبية معلومات الأجور في الوقت الحقيقي، مما يتيح لها رؤية فورية لحالة الاقتصاد.
- وهنا في هونغ كونغ، سيصبح بإمكان عملاء البنوك قريبا أن يستخدموا أرقام هواتفهم المحمولة وعناوين بريدهم الإلكتروني لتحويل الأموال أو الشراء من متاجر التجزئة، بفضل نظام دفع جديد تموله الحكومة.
وهذه المبادرات ما هي إلا البداية. فالحكومات عبر العالم تبحث الآن السبل الممكنة لتحسين الكفاءة.
فعلى سبيل المثال، تقدِّر دراسة صدرت مؤخرا أن قرابة 20% من الإيرادات العامة على مستوى العالم، أو حوالي 5 تريليون دولار أمريكي، تُفقَد كل عام بسبب عدم الامتثال الضريبي والمدفوعات الحكومية التي تتخذ وجهة خاطئة.
وباستخدام الأدوات الجديدة – كتحليل البيانات الكبيرة – يمكن للحكومات تخفيض هذه التسربات، التي غالبا ما ترتبط مباشرة بالفساد والتهرب الضريبي. ومن شأن تخفيض التسربات أن يمكِّن البلدان من زيادة الإنفاق على البنود ذات الأولوية.
وخلاصة القول إن الحكومة الرقمية يمكن أن تقدم الخدمات العامة بدرجة أكبر من الكفاءة والفعالية، وتساعد على تحسين حياة المواطنين.
فكروا معي في هذا الأمر: إن عدد الأسر التي أصبحت تستخدم التكنولوجيا الرقمية – كالإنترنت والهواتف الذكية – في البلدان النامية تجاوز عدد الأسر التي تحصل على المياه النظيفة والتعليم الثانوي.
إنها إمكانات هائلة للتفاعل الرقمي! لكنها تذكرة أيضا بأننا نحتاج إلى تسخير التكنولوجيا بشكل فعال لتحقيق التقدم نحو تنمية أوسع نطاقا.
خاتمة
وختاما، إن أمام هذا الجيل من صناع السياسات خيار صعب:
فيمكنهم ببساطة استنساخ سياسات الماضي التي حققت نتائج متباينة – حيث رفعت مستويات المعيشة إلى حد كبير، ولكنها تركت الكثيرين وراء الركب.
أو يمكنهم رسم مشهد اقتصادي جديد – حيث التجارة المفتوحة أكثر إنصافا وأكثر اعتمادا على التعاون؛ وحيث النظم المالية أكثر أمانا وأكثر دعما للنمو الاقتصادي؛ وحيث منافع الثورة الرقمية ليست حكرا على قلة محظوظة وإنما يتمتع بها الجميع.
وكما قال الفنان العظيم هنري ماتيس: "الإبداع يحتاج إلى شجاعة".
ولا شك أننا نحتاج إلى شجاعة أكبر – في أروقة الحكومة، وفي قاعات المؤتمرات في الشركات، وفي قلوبنا وعقولنا أيضا.
شكرا لكم.
دراسةRomer, C. D., and D. H. Romer. 2018. “Phillips Lecture—Why Some Times Are Different: Macroeconomic Policy and the Aftermath of Financial Crises.” Economica 85 (337): 1–40.
السلطة النقدية في هونغ كونغ بصدد إنشاء نظام اسمه "نظام الدفع الأسرع" من المقرر إطلاقه في سبتمبر 2018.
بحث أجرته مؤسسة ماكنزي للاستشارات.
إدارة التواصل، صندوق النقد الدولي
قسم العلاقات الإعلامية
مسؤول الشؤون الصحفية:
هاتف:7100-623 202 1+بريد إلكتروني: MEDIA@IMF.org