اليابان والصندوق: عمل تعاوني لتشجيع النمو الاحتوائي والقابل للاستمرار

8 نوفمبر 2017

أولا- المقدمة والموضوع

السيد أساكاوا نائب الوزير، الضيوف الكرام، السيدات والسادة: صباح الخير! أوهايو غوزايماسو.

شكرا، شيكاهيسا، على حفاوة التقديم، وشكرا لكل زملائي في مكتب الصندوق الإقليمي لآسيا والمحيط الهادئ على تنظيم هذا المؤتمر المهم.  

من الرائع أن تعقد مناقشاتنا في هذا الوقت المتميز من العام. فحين يلوح الخريف في الأجواء، لا بد أن يكون الوقت قد حان لموسم الغوكوينساي، تلك المهرجانات الجامعية ذات الشعبية الفائقة التي ينظمها الطلاب.

ومهرجانات الغوكوينساي تتسم برؤية استشرافية في عرضها العصري للعمل الأكاديمي، كما أنها قائمة على أساس من الخبرات المشتركة، تتراوح بين العروض الراقصة وأكشاك الطعام التي تقدم أطباقا تقليدية شهية.

"استشرافية" و"قائمة على أساس من الخبرات المشتركة" – تلك كلمات ملائمة لوصف الشراكة بين اليابان والصندوق، والتي توثقت على مدار الخمسة والستين عاما الماضية.

واليابان كعضو مؤسس للصندوق كانت طوال الوقت داعما قويا لعمل الصندوق – من التحليلات والمشورة بشأن السياسات، إلى المساعدة المالية، لمساعدة بلداننا الأعضاء على تعزيز الحوكمة والمؤسسات الاقتصادية.

هذا الالتزام بالعمل النشط في إطار عضوية الصندوق أعطى اليابان صوتا قويا ومؤثرا في الحوار المتطور باستمرار حول شكل الاقتصاد العالمي.

وبالعمل معا، ساهمنا في عمليات تحول اقتصادي – هنا في اليابان وفي منطقة آسيا والمحيط الهادئ وفي مختلف بلدان العالم.

لقد سِرنا معا في هذا الدرب؛ تغيرنا وتكيفنا – لكننا حافظنا على التزامنا بمبادئنا الأساسية.

في عام 1964 في اجتماعات الصندوق السنوية التي عقدت في طوكيو، قال رئيس الوزراء هاياتو إيكيدا إن "التحدي الأساسي الذي يواجهنا جميعا، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، هو العمل على تحقيق نمو اقتصادي مستقر والحد من التفاوت بين الفقراء والأغنياء."

وفي تاريخ أقرب، أكد رئيس الوزراء آبي على هذا المنهج بإجراء إصلاحات بعيدة الأثر، منها زيادة التركيز على تمكين المرأة اقتصاديا.

وقد كانت الاحتوائية والاستقرار الاقتصادي في قلب خبراتنا المشتركة. وسيبقيان أولويتنا الأولى ونحن نواصل المسير.  

وعلى ذلك، أود أن أتحدث اليوم عن كيف يمكننا تعزيز شراكتنا وكيف يمكننا استخدام خبراتنا المجمعة للعمل على تحقيق نمو أكثر احتوائية وقابلية للاستمرار.

ثانيا- تشكيل مستقبل منطقة آسيا والمحيط الهادئ

وأبدأ بالتركيز على هذه المنطقة الأكثر ديناميكية على مستوى العالم.

على مدار الثلاثة عقود الماضية، ساعدت آسيا على تغيير العالم – من تكوين أكبر طبقات وسطى في العالم إلى قيادة أعظم عملية للحد من الفقر في تاريخ الإنسانية.

وعلى مدار العقد الماضي، بثت آسيا النشاط في أرجاء العالم بعد أن ساهمت بثلثي النمو العالمي، بينما كان التعافي الاقتصادي ضعيفا في مناطق العالم الأخرى.

والخبر السار هو أن الاقتصاد العالمي من المتوقع أن ينمو بسرعة أكبر في العام الحالي والقادم – بمعدل 3.6% و 3.7% على الترتيب – وهو زخم إيجابي يدعم ارتفاع النمو في آسيا.

وفي ذلك فرصة كبيرة لصناع السياسات – من أجل البناء على التقدم الذي تحقق حتى الآن، مع معالجة التحديات الحالية التي تشمل التطورات الديمغرافية ومستوى الإنتاجية، وهما القضيتان المهمتان لجميع اقتصادات المنطقة على المدى الأطول.

فالبلدان التي يتسم سكانها بارتفاع نسبة الشباب والنمو السريع، مثل الهند وإندونيسيا، يمكن أن تغتنم هذه الفرصة لكي تحصد ثمار "الميزة الديمغرافية".

وفي نفس الوقت، يمكن لبلدان مثل الصين واليابان وكوريا أن تتخذ خطوات لتخفيف الآثار الاقتصادية المترتبة على سرعة شيخوخة السكان.

وفي بلدان آسيا، هناك مجال لإعادة تنشيط نمو الإنتاجية بما يكفل مستويات معيشية أعلى في المستقبل.

اليابان في الصدارة

إذن كيف يمكن لآسيا مواجهة هذه التحديات؟ رغم عدم وجود وصفة وحيدة للسياسات في هذه المنطقة شديدة التنوع، فإن تبادل الخبرات يمكن أن يعود بالنفع على كل بلدانها.

ولا شك أن اليابان تتمتع بخبرات في مجال السياسات تعتبر من أكثر الخبرات ثراء في العالم – حيث انتقلت من كونها الاقتصاد الصاعد الأول في آسيا إلى أن أصبحت في صدارة البلدان ذات السياسات المبتكرة للتعامل مع الاتجاهات الديمغرافية والإنتاجية السائدة.

ومن الأمثلة الجيدة في هذا الصدد تركيز اليابان على الابتكار العلمي والتكنولوجي، وهو ما يتضمن المبادرات العامة لتشجيع قيام "ثورة صناعية رابعة"، من الذكاء الاصطناعي إلى البيانات الكبيرة إلى أجهزة الروبوت والتكنولوجيا البيولوجية.

وأنا أتطلع إلى أولمبياد طوكيو 2020 حيث تعتزم اليابان عرض إنجازاتها الهندسية المتفوقة – من خلال خطط تتراوح بين تقديم صور كبيرة محلقة في الهواء بتقنية الهولوغرام وبناء سيارة طائرة مع حلول موعد إيقاد الشعلة الأولمبية.

وهناك مثال جيد آخر للسياسات المبتكرة، وهو التزام اليابان بزيادة نسبة النساء في القوى العاملة.

فعلى مدار الخمس سنوات الماضية، زاد عدد النساء العاملات بمقدار 1.6 مليون نسمة، وهو ما يرجع لأمور ليس أقلها انتهاج اليابان سياسات داعمة. وفي الوقت الراهن، هناك مجال لزيادة التركيز على التوسع في توفير رعاية الأطفال، وتقليل ساعات العمل الطويلة، وتشجيع العمل بقاعدة "أجور متساوية لنفس العمل".

ومن شأن هذا أن يحدث تغييرا حقيقيا في قواعد العمل في اليابان. من شأنه زيادة النمو الممكن وتعزيز الطابع الاحتوائي.

إن تمكين المرأة والعمل على تعزيز النمو الاحتوائي هو الاتجاه الصحيح – من الناحية الأخلاقية وكذلك من الناحية الاقتصادية – وخاصة في البلدان التي تتسم بمستوى مرتفع ومتزايد من عدم المساواة.

ففي العام الماضي، على سبيل المثال، زادت الثروة المجمعة لعدد 637 مليارديرا آسيويا بما يقارب الثلث حتى بلغت 2 تريليون دولار أمريكي1- أقل بقليل من إجمالي الناتج المحلي في الهند التي يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة.

وعلى سبيل التبسيط – وكما أوضحت أبحاث الصندوق – حين تُوَزَّع ثمار النمو على نطاق أوسع، يكون النمو أقوى وأكثر استمرارية وصلابة.

وبالنسبة لكثير من بلدان آسيا، يعني هذا تعديل الأدوات التي تقوم عليها النظم الضريبية وسياسات الإنفاق. يعني زيادة التركيز على سياسات مثل التحويلات النقدية المشروطة للأسر منخفضة الدخل والتوسع في توفير الخدمات الصحية والتعليم عالي الجودة.

ومن الضروري أن تتبادل البلدان هذه الخبرات وما نجح من ممارسات – في آسيا وجميع أنحاء العالم.

ثالثا- العمل على توثيق التعاون

أ) آسيا واليابان والصندوق

لهذا يعمل الصندوق بنشاط على تبادل الأفكار المتعلقة بالسياسات وأفضل الممارسات – ومساعدة بلداننا الأعضاء في جهودها من أجل تنمية القدرات لتحقيق الإدارة الاقتصادية السليمة.

ومن أمثلة ذلك عمله مع بنك كمبوديا المركزي لتحديث النظام المالي، ومساعدته البلدان الأعضاء على تعبئة الإيرادات العامة بمزيد من الكفاءة، وتدريبه قرابة 30 ألف شخص من خلال دوراتنا الاقتصادية المجانية عبر شبكة الإنترنت.  

هذه بعض جهودنا فقط في مجال تنمية القدرات من أجل مساعدة البلدان على بناء اقتصادات أكثر احتوائية وقابلية للاستمرار.

ويحتل هذا العمل موقعا مركزيا في شراكتنا مع اليابان. إنه جزء حيوي من خبراتنا المشتركة.

هو مهرجان غاوكوينساي الخاص بنا الذي يحقق التقارب بيننا – وليس فقط لتناول الأطعمة اليابانية اللذيذة.

فعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، ساهمت اليابان بنحو 600 مليون دولار في جهودنا لتنمية القدرات – والتي أفادت أكثر من 130 بلدا وساهمت في التحولات الاقتصادية، وخاصة هنا في آسيا.

ونيابة عن كل بلداننا الأعضاء المائة والتسعة والثمانين، أود الإعراب عن صادق امتناني لحكومة اليابان – وشعب اليابان – على هذا الدعم الاستثنائي.

ويتضمن هذا الدعم المباشر لتنمية القدرات، إلى جانب دعم عمل الصندوق بشكل أعم.  

ونحن ممتنون بشكل خاص للمساندة القوية التي تقدمها اليابان لمكتبنا الإقليمي المعني بآسيا والمحيط الهادئ – ومقره هنا في طوكيو – والذي كان ركيزة لعملنا مع آسيا والذي نحتفل اليوم هنا بمرور عشرين عاما على إنشائه.

ب) الاقتصاد العالمي والصندوق

وبالطبع فإن شراكتنا مع اليابان لا تقتصر على آسيا. إنما تشمل الاقتصاد العالمي.

وأذكركم هنا بجهودنا المشتركة لتحقيق "أهداف التنمية المستدامة"، بناء على التزام اليابان طويل الأمد بمساعدة البلدان منخفضة الدخل. أو تعاوننا بشأن الضرائب الدولية، ومحاربتنا لغسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومسؤوليتنا المشتركة في التصدي لتغير المناخ.

وفي هذا الصدد، تشير تقديراتنا إلى أن ارتفاع حرارة الجو بمقدار درجة مئوية واحدة في بلد يبلغ متوسط حرارته 25 درجة – مثل بنغلاديش أو هايتي أو غابون – يمكن أن يخفض إجمالي الناتج المحلي للفرد بنحو 1.5%.2

هذه التحديات وغيرها من التحديات العالمية تتطلب تعاونا دوليا أقوى. ونحن نعلم من خبراتنا المشتركة أن التعاون يؤتي ثماره. ولكن كيف يمكننا تقوية النظام متعدد الأطراف الذي ارتكز عليه الاقتصاد العالمي لأكثر من 70 عاما؟

وسبيلنا إلى ذلك هو تشجيع التعاملات التجارية الأفضل. فعلى سبيل المثال، تأتي الاتفاقية المزمعة بين اليابان والاتحاد الأوروبي إيذانا ببدء منهج جديد تجسده نصوصها المتعلقة بمكافحة الاحتكار وحوكمة الشركات والتنمية المستدامة.

ونحن نكثف الجهود لتعزيز شبكة الأمان المالي العالمية، استنادا إلى شراكتنا مع اليابان:

  • ففي 2009، تعهدت اليابان بتقديم 100 مليار دولار لتمويل برامج الإقراض لدى الصندوق، مما شجع بلدانا أخرى على المساعدة في دعم موارد الصندوق أثناء الأزمة المالية.
  • ونحن نعمل حاليا مع اليابان لتعميق تعاوننا مع الترتيبات المالية الإقليمية – لضمان عمل المستويات المختلفة في شبكة الأمان العالمية بصورة تعاونية سلسة.

وفوق ذلك كله، نحن لا نتوقف عن دفع أنفسنا وبلداننا الأعضاء لتجاوز الحدود والتعلم من بعضنا البعض – ليس فقط من خلال المؤتمرات الدولية وتبادل الممارسات المثلى، وإنما أيضا من خلال العلاقات الشخصية.

فعلى سبيل المثال، كلما زار زملائي مؤسسات حكومية هنا في اليابان، يجدون مسؤولين لهم تجربة في العمل مع الصندوق. لماذا؟ لأنه في العشر سنوات الماضية فقط، عمل 150 اقتصاديا يابانيا في الصندوق.

وأنا فخورة بكوني أحد الأطراف في دائرة خبراتنا الشخصية المشتركة.

وقد تعلمت كثيرا من زملائي اليابانيين – من الاقتصاديين العاملين في الصندوق، إلى السيد ماساكي كايزوكا مديرنا التنفيذي الممثل لليابان، إلى السيد ميتسوهيرو فوروساوا زميلي في فريق الإدارة ومن سبقوه في هذا المنصب.

وبعبارة أخرى، هذه شراكة مبنية على "التواصل من القلب إلى القلب" – آي شن دن شن.

رابعا- خاتمة

واسمحوا لي أن أختتم كلمتي بمبدأ أخلاقي ياباني عريق: "ثمِّن التناغم بين الناس".3

إنها روح جذورها عميقة في المجتمعات والثقافة اليابانية. وهي تجسيد لجوهر شراكتنا مع اليابان .. صداقة يمكن أن تساعد في خلق تفاهم وثقة أعمق بين كل الأمم.

وبالعمل معا، بالثقة في بعضنا البعض، يمكننا المساعدة في خلق اقتصاد متناغم – اقتصاد يمكن أن يعود بالنفع على كل الشعوب.

شكرا جزيلا لكم – دومو أريغاتو غوزايماسو.


1  تقرير UBS/PwC Billionaires Report, 2017 .

2  صندوق النقد الدولي، تقرير آفاق الاقتصاد العالمي (واشنطن: سبتمبر 2017)، الفصل الثالث.

3 من مخطوطة عن المبادئ الأخلاقية عمرها 1400 عام.