أعمال التشييد الجارية في مركز الملك عبد الله المالي بالرياض، المملكة العربية السعودية. يرى الصندوق إن البلدان المصدرة للنفط تحتاج إلى تعجيل الإصلاحات من أجل تنويع الاقتصاد بعيدا عن تركيزه الحالي على الهيدروكربونات (الصورة: Fayez Nureldine/AFP/Getty Images)
نحث منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مواصلة مسيرة الإصلاح
20 أكتوبر 2016
- آفاق الاقتصاد مثقلة بتبعات انخفاض أسعار النفط والصراعات الدائرة في المنطقة
- البلدان المصدرة للنفط ينبغي أن تواصل التكيف مع انخفاض أسعار النفط وتنويع الاقتصاد
- البلدان المستوردة للنفط تحتاج إلى إصلاحات هيكلية لخلق فرص العمل وتحقيق النمو الاحتوائي
لا تزال آفاق النمو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان مثقلة بتبعات هبوط أسعار النفط، حسبما ورد في آخر تقييم أجراه الصندوق لاقتصاد المنطقة.
ومع توقع استمرار هذه التحديات، قال الصندوق إن المنطقة بحاجة إلى مواصلة التقدم الذي بدأ بالفعل نحو تعزيز أرصدة المالية العامة وإجراء الإصلاحات الهيكلية المطلوبة، مما سيساعد في تحقيق النمو الاحتوائي والقابل للاستمرار.
ويتوقع تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى الذي أصدره الصندوق في 19 أكتوبر الجاري أن تحقق المنطقة نموا محدودا بمعدل 3.5% هذا العام، مع قليل من التحسن في عام 2017 (انظر الجدول). ويؤدي تباطؤ النمو الاقتصادي إلى إلحاق الضرر بالتقدم في تحسين مستويات المعيشة. وفي هذا السياق، ذكر التقرير أن إعطاء دفعة للنمو وخلق فرص عمل جديدة في القطاع الخاص يتطلبان تحولات هيكلية نحو اقتصادات أكثر ديناميكية يقودها القطاع الخاص، وهو ما يجري التخطيط له بالفعل في عدد من البلدان.
وفي هذا الصدد، قال السيد مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى عند إطلاق التقرير في دبي إن "بلدان منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى تواجه اثنين من أكثر القضايا الاقتصادية والجغرافية-السياسية إلحاحا على مستوى العالم، وهما هبوط أسعار النفط واحتدام الصراعات. ويحسب لهذه البلدان أنها حققت تقدما في التعامل مع هذه التحديات."
ورغم أن أسعار النفط – وهي المحرك الرئيسي للنمو في البلدان المصدرة للنفط في المنطقة – سجلت ارتفاعا على مدار الشهور القليلة الماضية حتى تجاوزت 50 دولارا أمريكيا للبرميل، فمن المتوقع لها أن تظل منخفضة في السنوات القادمة. ويتوقع الصندوق أن تصل هذه الأسعار بالكاد إلى 60 دولارا للبرميل بحلول عام 2021، وهو مستوى أقل بكثير من المستويات المرتفعة التي تجاوزت 100 دولار للبرميل منذ سنتين فقط.
وفي نفس الوقت، لا تزال الصراعات تسبب أزمة إنسانية حادة في العديد من بلدان المنطقة – حيث تجاوز عدد اللاجئين أي حالات سابقة منذ الحرب العالمية الثانية – كما تُحْدِث اضطرابا في النشاط الاقتصادي وتؤثر على الثقة في مختلف أنحاء المنطقة.
آفاق اقتصادية محدودة للبلدان المصدرة والمستوردة للنفط
وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط، يتوقع الصندوق أن يبلغ النمو غير النفطي 1.8% في 2016 و3.1% في 2017، بانخفاض كبير عن المتوسط الذي بلغ 7% في الفترة 2000-2014، نتيجة لآثار إجراءات الضبط المالي وزيادة تراجع ثقة القطاع الخاص في ظل انخفاض أسعار النفط.
ومن المرجح أن يشهد مجلس التعاون الخليجي نموا نفطيا قريبا من الصفر بسبب الصراعات في العراق وليبيا واليمن. وفي إيران، حدث تحسن كبير في إنتاج النفط ولكن مكاسب النمو المتولدة عن تخفيف العقوبات لن تتحقق إلا ببطء على النطاق الأوسع، حيث لا تزال الشركات الدولية تتوخى الحذر والإصلاحات المحلية تتم بالتدريج.
وبالنسبة للبلدان المستوردة للنفط في المنطقة، أصبح النمو مثقلا بعبء التداعيات الناجمة عن تباطؤ النمو في مجلس التعاون الخليجي والصراعات الدائرة في المنطقة – بالإضافة إلى المعوقات الهيكلية عميقة الجذور على المستوى المحلي. ومن المتوقع أن تحقق هذه الاقتصادات توسعا قدره 3.6% في 2016 و 4.2% في 2017.
وعلى المدى المتوسط، سيكون النمو بطيئا للغاية بحيث لا يكفي لتحقيق تحسن كبير في مستويات المعيشة أو تخفيض معدل البطالة المرتفع الذي يبلغ 10% بالنسبة لعموم السكان ويصل إلى 25% بين الشباب.
التكيف مع انخفاض أسعار النفط
وشدد التقرير على أن ما يؤكد الحاجة لمواصلة التعديلات الحازمة في السياسات هو الطابع المتجذر الذي يتسم به انخفاض أسعار النفط والصراعات الجارية في المنطقة.
وفي هذا الصدد قال السيد أحمد إن "البلدان المصدرة للنفط تواجه مهمة صعبة تتمثل في تحقيق النمو الاقتصادي في مناخ يسوده انخفاض إيرادات الموازنة وتخفيضات الإنفاق. ومن ثم، يكمن التحدي الآني والمستقبلي في إيجاد مصادر بديلة للإيرادات والنمو الاقتصادي للحفاظ على مستوى الرفاهية الذي اعتاد عليه كثير من هذه البلدان."
وأضاف: "وبالنسبة للبلدان المستوردة للنفط، يتمثل التحدي الرئيسي في زيادة خلق الوظائف من خلال قطاع خاص أكثر ديناميكية."
ويسلط التقرير الضوء على التقدم الكبير الذي حققه الكثير من البلدان على مدار الشهور القليلة الماضية في التكيف مع البيئة الاقتصادية الجديدة، ولا سيما في مجال الإنفاق وتوليد إيرادات جديدة. فعلى سبيل المثال، بدأت كل من البلدان المصدرة والمستورة للنفط تقليص إنفاقها الحكومي وقامت بخفض الإنفاق على البرامج السخية للدعم المعمم على الوقود والكهرباء والغاز والمياه وهو الدعم الذي كانت معظم مزاياه تذهب إلى الأغنياء.
ورغم هذه التحسينات، فلا تزال أسعار هذه السلع العامة أدنى بكثير من مستوى المعايير الدولية، ومن ثم يمكن لصناع السياسات إجراء مزيد من الإصلاح في أطر تسعير الطاقة، حسبما أشار التقرير.
وقد بدأت بعض البلدان تحدد مجالات لتوفير التكاليف من خلال فواتير الأجور العامة. فالمملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، أعلنت مؤخرا عددا من الإجراءات لتخفيض فاتورة الأجور الحكومية، بما في ذلك تخفيض العلاوات والحد من بدل ساعات العمل الإضافية. كذلك تخطط الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي لتطبيق ضريبة على القيمة المضافة.
وفي هذا الخصوص، قال السيد أحمد: "كل هذه تحركات تستحق الترحيب وهي تؤكد مدى التزام هذه البلدان بالتكيف مع البيئة الاقتصادية الصعبة في الوقت الراهن."
غير أنه أضاف أنه يتعين عمل المزيد في الاثني عشر شهرا القادمة ولفترة طويلة في المستقبل.
فالتحديات الرئيسية لا تقتصر على إعطاء دفعة للنمو مع تقييد الإنفاق من الموازنة، وإنما أيضا تعظيم العائد من أي حيز مالي تستطيع البلدان استخدامه للإنفاق العام.
وقال السيد أحمد إن الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية ستظل ثلاثة مجالات أساسية يمكن أن يكون الإنفاق العام فيها بالغ الفعالية في بناء نمو قابل للاستمرار على المدى الطويل.
تنويع محركات النمو
غير أن التقرير أوصى بشكل أعم أن تحقق البلدان تقدما أكبر نحو اقتصادات أكثر تنوعا بقيادة القطاع الخاص، نظرا لبيئة أسعار النفط المنخفضة.
وقد أُعلِنَت مثل هذه الخطط في عدد كبير من البلدان بالفعل، ومنها المملكة العربية السعودية التي تركز رؤيتها لعام 2030 على تطوير القطاع الخاص، وتلتزم بتحقيق ميزانية متوازنة في غضون خمس سنوات، وتتوخى عملية خصخصة جزئية لشركة أرامكو – أكبر شركة للنفط والغاز في العالم.
وفي هذا السياق، قال السيد أحمد: "بالنسبة للبلدان المصدرة للنفط، سيتضمن ذلك تخفيض الاعتماد على الإيرادات النفطية مع خلق فرص عمل في القطاع الخاص، وليس القطاع العام، للداخلين الجدد في سوق العمل، بينما يتضمن بالنسبة للبلدان المستوردة للنفط تخفيض الاعتماد على تحويلات العالمين في الخارج. ولكن الأمر يتطلب من مجموعتي البلدان نموذجا اقتصاديا أقل اعتمادا على الدولة وأكثر اعتمادا على القطاع الخاص."
وأضاف: "من شأن التحولات الاقتصادية الجارية حاليا أن تحقق نموا صلبا واحتوائيا للأجيال القادمة."