قوارب صيد فلسطينية في ميناء بحري في غزة، حيث تؤدي قيود التنقل والحركة إلى إضعاف التنمية الاقتصادية في الصناعات الأساسية (الصورة: Majdi Fathi/NurPhoto/Getty Images)

عملية السلام المعطَّلة تلقي بظلالها على آفاق النمو في الضفة الغربية وغزة

19 سبتمبر 2016

  • النمو غير كاف لمعالجة البطالة المرتفعة، وخاصة بين الشباب
  • عدم اليقين السياسي وقيود التنقل والحركة لا يزالان يعوقان التقدم الاقتصادي
  • التعاون والشراكة يمكن أن يدعما الاقتصاد الفلسطيني

طالما عانى الاقتصاد الفلسطيني تحت وطأة عدم اليقين في المجالين السياسي والأمني، مما يتطلب تغيرا جوهريا حتى يتحقق تحسن حقيقي في الاقتصاد. ويأتي معظم هذا التغير مع تحقيق إنجاز كبير في عملية السلام. غير أن السياسات الاقتصادية والتعاون الاقتصادي يمكن أن يقطعا شوطا طويلا في اتجاه التغيير المطلوب وفي تخفيف المعاناة الإنسانية.

وقد صدر مؤخرا أحدث تقرير عن الاقتصاد الفلسطيني قبل اجتماع 19 سبتمبر 2016 الذي عقدته لجنة الاتصال المخصصة – وهي آلية برئاسة النرويج لتنسيق مساعدات المانحين وبحث السبل الممكنة لجعل الاقتصاد الفلسطيني أكثر قدرة على الاستمرار.

وفي هذا السياق، أجرت أخبار الصندوق حوارا مع السيدة كارين أونغلي، رئيس بعثة الصندوق، عن أهم النتائج التي خلص إليها التقرير وإجراءات السياسة التي يمكن أن تساعد على وضع أساس النمو في المستقبل.

أخبار الصندوق: ما هي الآفاق المتوقعة لاقتصاد الضفة الغربية وغزة؟

السيدة أونغلي: يواجه الاقتصاد الفلسطيني تحديات بالغة الصعوبة. ومن أهم الشواغل في هذا الخصوص أن النمو الاقتصادي لن ينشئ وظائف كافية أو يرفع متوسط الدخل بما يكفي لتحقيق تحسن ملموس في حياة المواطنين.

ومن المرجح أن نرى نموا بمعدل 3.3% هذا العام، ثم حوالي 3.5% سنويا في المتوسط على مدار السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة. وقد يبدو تحقيق نمو قدره 3.5% أمرا مريحا إلى حد كبير بالنسبة لبلدان عديدة، ولكن البطالة في الضفة الغربية وغزة تكاد تصل بالفعل إلى 30% - وأعلى من ذلك بكثير في غزة، حيث نجد ثلثي الشباب بدون عمل. وفي نفس الوقت، نجد أن أكثر من نصف السكان تقل أعمارهم عن 25 عاما، مما يعني أن القوى العاملة والطلب على الوظائف سيزيدان بسرعة أكبر.

وهناك اعتباران مهمان آخران. الأول هو أن النمو في غزة يتسم بالتقلب الشديد والاعتماد الكبير على جهود إعادة الإعمار منذ حرب 2014، مما أدى إلى صعوبة بالغة في التعامل مع الموقف الإنساني المزمن. والثاني هو أن هناك عدم يقين كبير حتى فيما يتعلق بتحقيق معدل نمو متوسط قدره 3.5%.

أخبار الصندوق: وما هي أكبر المخاطر؟

السيدة أونغلي: هناك تراجع في دعم المانحين لموازنة السلطة الفلسطينية منذ عام 2008، مع حدوث تخفيض أشد بنسبة الثلث في العام الماضي. ومن المرجح أن نشهد مزيدا من التراجع في مساعدات المانحين، وخاصة مع الاحتياجات الأخرى المتعلقة بمساعدة اللاجئين وبلدان المنطقة المتأثرة بالصراعات، والقيود التي تخضع لها موازنات المانحين بسبب انخفاض أسعار النفط. ويمكن أن يتسبب ذلك في ضغوط لإجراء تخفيضات أعمق في الموازنة، وقد يصل عمق هذه التخفيضات إلى مستوى يضر بالنمو.

ويمكن أن تضعف الآفاق المتوقعة إذا زاد تدهور الموقف الأمني. والواقع أن الموقف السياسي الحالي يمثل قيدا كبيرا على ارتفاع النمو. ومع ذلك، لا تزال هناك نقاط مضيئة. فعلى سبيل المثال، كان تحسن التعاون الاقتصادي بين حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية عاملا إيجابيا في إدارة الموازنة.

أخبار الصندوق: هل لكِ أن تحدثينا أكثر عن القضايا السياسية والأمنية التي تسببت في عرقلة التقدم الاقتصادي وكيف حدث ذلك؟

السيدة أونغلي: أجواء عدم اليقين السياسي، واستمرار خطر الصراع، وقيود التنقف والحركة، كلها أنشأت بيئة جعلت استثمارات القطاع الخاص وأنشطته أمرا مكلفا وخطرا في نفس الوقت. كما أن القيود التي تحد من حركة الأشخاص والتجارة في السلع وإمكانية الوصول إلى الموارد تسببت مع الوقت في تآكل الطاقة الإنتاجية للاقتصاد، وخاصة في الزراعة والتصنيع.

ويتضمن تقريرنا الأخير بعض التحليل الذي يتضمن تقديرات للتكاليف الاقتصادية المترتبة على عدم اليقين السياسي وقيود التنقل والحركة على مدار العقدين الماضيين. ويوضح التقرير أن دخل الفرد كان يمكن أن يصبح في غياب هذه القيود أعلى بكثير من مستواه اليوم – وربما يصل إلى أكثر من الضِعْف.

أخبار الصندوق: في هذا السياق، ما الذي يمكن أن يقدمه الصندوق لمساعدة السلطة الفلسطينية؟

السيدة أونغلي: الضفة الغربية وغزة ليست عضوا في الصندوق، ولذلك فهو لا يستطيع دعمها ماليا. غير أننا نقدم المشورة بشأن السياسات والمساعدة الفنية منذ عام 1994 للمساهمة في بناء القدرات بما يتمشى مع التزاماتنا في اتفاقات أوسلو. فعلى سبيل المثال، تساعد المشورة التي نقدمها عن السياسات الاقتصادية الكلية وسياسات المالية العامة والقطاع المالي في دعم وإرشاد السلطة الفلسطينية في خياراتها بشأن السياسات، كما توفر تحليلاتنا ومشورتنا في هذه المجالات معلومات إرشادية لأعضاء لجنة الاتصال المخصصة ومناقشات المانحين بشأن السبل الممكنة لجعل الاقتصاد الفلسطيني أكثر قدرة على الاستمرار.

أخبار الصندوق: ما هي أهم التوصيات للحفاظ على تقدم الاقتصاد؟

السيدة أونغلي: رغم أجواء عدم اليقين وقيود التنقل والحركة، تستطيع السلطة الفلسطينية عمل الكثير للمساعدة في تحسين النتائج الاقتصادية. وأبدأ بتسليط الضوء على ثلاث أولويات:

· أولا، التحدي الآني المتمثل في هشاشة وضع المالية العامة. ويعني هذا مواصلة تنفيذ موازنة 2016 على النحو المقرر مع مقاومة ضغوط الإنفاق، ولا سيما الإنفاق على الأجور الذي يعد من أعلى المستويات في العالم كنسبة من الاقتصاد.

· ثانيا، ينبغي أن يكون الهدف هو تخفيض عجز الموازنة بالتدريج. وأود التأكيد على أن المسألة لا تقتصر على تخفيض العجز، وإنما استعادة توازن الإنفاق الحكومي بتحويل التركيز إلى الاستثمار للمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد. ويمكن تحقيق ذلك ببذل جهود أكبر لدعم الإيرادات وإجراء مراجعة للإنفاق على البنود غير ذات الأولوية، بدعم من الإصلاحات التي تستهدف تحسين تخطيط الموازنة وإجراءاتها.

· ثالثا، من الضروري وجود قطاع مالي سليم ومستقر حتى يتحقق التقدم الاقتصادي. ويسرنا أن نرى سلطة النقد الفلسطينية تراقب المخاطر المحتملة في مجالين رئيسيين – تعرض البنوك الكبير لمخاطر إقراض السلطة الفلسطينية وإمكانية إنهاء البنوك الإسرائيلية علاقات المراسلة القائمة مع البنوك الفلسطينية. وتشكل العلاقة المصرفية أهمية خاصة لأنها تسمح بتسوية معاملات التبادل التجاري والأنشطة التجارية بين الاقتصادين.

وتكتسب جهود السلطات على صعيد السياسات أهمية كبيرة، ولكنها لن تكفي وحدها. فرسم مستقبل اقتصادي قابل للاستمرار يتطلب التعاون والشراكة بين كل الأطراف المعنية. ومن الضروري أن يستمر الدعم من المانحين، وهي حالة تشبه الطريق المزدوج - فاستمرار الإصلاحات يمكن أن يرسي أساسا أقوى لمشاركة المانحين. ومن ناحية أخرى، يمكن أن يكون تعزيز الحوار الاقتصادي بين السلطة الفلسطينية وحكومة إسرائيل عاملا مساعدا في تعبئة إيرادات إضافية والتقدم نحو دمج الاقتصاد الفلسطيني في الاقتصاد العالمي.

أخبار الصندوق: نظرا للتغير الكبير المطلوب في مسيرة السلام، هل هناك تعارض بين التركيز على السياسات الاقتصادية والتركيز على السلام؟

السيدة أونغلي: على العكس تماما. فالتحرك على مسار الإصلاح الاقتصادي ينطوي على نوعين من المزايا. أولها أنه يساعد على مواصلة تعزيز المؤسسات الاقتصادية لضمان استعداد الاقتصاد للانطلاق عند حدوث إنجاز سياسي كبير. وثانيها أن السياسات التي تحافظ على استقرار الاقتصاد وتخفف المعاناة الإنسانية ستساعد في دعم مسيرة السلام.