السوق في وسط مدينة الجزائر التجاري. يمكن أن يؤدي القيام بإصلاحات واسعة النطاق إلى دعم النشاط الاقتصادي في سياق الإجراءات المتخذة لمواجهة صدمة أسعار النفط (الصورة: Monique Jaques /Gettyimages).
الجزائر يسعى لتنويع الاقتصاد وإعادة تشكيله في سياق انخفاض الإيرادات النفطية
7 يوليو 2016
- من المتوقع أن يتباطأ نمو الاقتصاد الجزائري وهو يواصل التكيف مع صدمة أسعار النفط
- يحتاج الجزائر إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن الهيدروكربونات، وإعادة تشكيل نموذج النمو
- الإصلاحات القوية يمكن أن تدعم النمو وتخلق وظائف جديدة للسكان الشباب الذين تشهد أعدادهم زيادة مستمرة
قال الصندوق في تقييمه الأخير إن النمو في الجزائر ظل مستقرا عند معدل 3.9% في عام 2015، ولكن البلاد تواجه تحديات مهمة نظرا للانخفاض الكبير في أسعار النفط.
وقد بدأت الحكومة ضبط أوضاع المالية العامة وشرعت في بعض الإصلاحات، ولكن المزيد لا يزال مطلوبا لمواجهة صدمة أسعار النفط بحجمها واستمراريتها ومعالجة مواطن الضعف القائمة منذ وقت طويل. وفي حديث مع نشرة الصندوق الإلكترونية، قال جون-فرانسوا دوفان، رئيس بعثة الصندوق المعنية بالجزائر، إن الموقف الحالي يمثل فرصة لإعادة تشكيل نموذج النمو الجزائري.
النشرة الإلكترونية: ما هي الآفاق المتوقعة للجزائر؟ وكيف ترى الاحتمالات الاقتصادية هناك؟
السيد دوفان: الآفاق المتوقعة تعتمد كثيرا على تحرك السلطات لمواجهة صدمة أسعار النفط من خلال السياسات. وبفضل المدخرات التي تراكمت في الماضي ومستوى المديونية شديد الانخفاض، يستطيع الجزائر التكيف مع الصدمة وتنفيذ الإصلاحات بالتدريج، ولكنه لا يستطيع تفويت هذه الفرصة دون اتخاذ إجراء في هذا الصدد.
فعلى المدى القريب، من المتوقع أن يتباطأ النمو مع اتخاذ الحكومة الإجراءات اللازمة للضبط المالي. غير أن تنفيذ كتلة حرجة من الإصلاحات الهيكلية على المدى المتوسط يمكن أن يؤدي إلى اقتصاد أكثر ديناميكية وتنوعا، مع تحقيق نمو أقوى وخلق المزيد من فرص العمل. وفي المقابل، يمكن أن يتسبب عدم كفاية الإصلاحات في مصاعب اقتصادية إذا ما أدى استنفاد حيز المناورة من خلال المالية العامة والحساب الخارجي إلى عملية تكيف مفاجئة وأكثر حدة.
"هبوط أسعار النفط يمثل فرصة لإعادة تشكيل نموذج النمو الجزائري بحيث يوفر فرص عمل على أساس أكثر استمرارية." – جون-فرانسوا دوفان، رئيس بعثة الصندوق المعنية بالجزائر.
النشرة الإلكترونية: هل لك أن تحدثنا أكثر قليلا عن تأثير صدمة أسعار النفط على الجزائر؟ هل اتخذت الحكومة أي خطوات لتخفيض الاعتماد على النفط وتنويع الاقتصاد؟
السيد دوفان: بالرغم من أن هبوط أسعار النفط لم يُتَرجَم بعد إلى تباطؤ في النمو، فقد أسفر عن ضعف كبير في أرصدة المالية العامة والحساب الخارجي في الجزائر، حيث هبطت الإيرادات النفطية فزاد تدهور وضع المالية العامة – الذي أضعفته بالفعل زيادة الإنفاق في أعقاب الربيع العربي. وحدث استنفاد شبه تام لوفورات المالية العامة من أجل تمويل عجز الميزانية الكبير. وعقب عدة سنوات من الفوائض المريحة، تحول رصيد الحساب الجاري تحولا حادا إلى العجز، وبدأ انكماش الاحتياطيات الرسمية، التي لا تزال كبيرة. غير أن الدين العام والخارجي لا يزال منخفضا. ويبدو النظام المصرفي في صحة جيدة بوجه عام، ولكن هبوط أسعار النفط يزيد من المخاطر التي تواجه الاستقرار المالي.
ولم تكن إجراءات السياسة المتخذة في عام 2015 غير كافية، ولكن ميزانية 2016 تدعو إلى تخفيض حاد في الإنفاق، وشرعت السلطات في بعض الإصلاحات، بما في ذلك إجراء الإصلاحات الضرورية لنظام الدعم وتعزيز الإطار الاحترازي للقطاع المالي. وستحتاج السلطات إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية واسعة النطاق للحد من اعتماد الجزائر على النفط وتنويع الاقتصاد.
النشرة الإلكترونية: زادت البطالة هذا العام وهي مرتفعة بين الشباب بوجه خاص (حوالي 30%). فما الذي يمكن أن تقوم به السلطات لخلق المزيد من فرص العمل وزيادة النمو الاحتوائي؟
السيد دوفان: لخلق المزيد من فرص العمل وزيادة النمو الاحتوائي، ينبغي أن تقوم السلطات بتحويل نموذج النمو الجزائري الذي تقوده الدولة ويعتمد على الهيدروكربونات إلى نموذج أكثر تنوعا يقوده القطاع الخاص. وسيتطلب مثل هذا التحول جدول أعمال طموح للإصلاح الهيكلي. ومن أهم الإصلاحات تحسين مناخ الأعمال، وذلك على سبيل المثال من خلال تبسيط القواعد التنظيمية والإجراءات الإدارية وتيسير إجراءات بدء الأعمال التجارية، وكذلك فتح الاقتصاد أمام مزيد من التجارة والاستثمار، وتحسين الحصول على التمويل، وتطوير أسواق رأس المال، وتعزيز الحوكمة والمنافسة والشفافية.
كذلك ينبغي تحسين تشغيل سوق العمل. وفي هذا الصدد، تمثل المراجعة الجارية لقانون العمل فرصة طيبة لتعزيز مرونة سوق العمل مع ضمان الحماية الكافية للعمالة. ومن المهم توثيق الروابط بين النظام التعليمي والقطاع الخاص بما يمكن أن يساعد على زيادة الاتساق بين مهارات طالبي العمل واحتياجات أرباب الأعمال.
النشرة الإلكترونية: تقول إن استمرار الضبط المالي سيكون مطلوبا. فهل هناك طريقة جيدة لتنفيذه؟
السيد دوفان: الضبط المالي ضرورة بالفعل لاستعادة استمرارية المالية العامة والمساعدة في دعم التكيف الخارجي، بينما يمكن أن تساعد الإصلاحات الهيكلية في تخفيف أثر هذا الضبط على النمو. وينبغي إجراء الضبط المطلوب على عدة جبهات، منها تعبئة المزيد من الإيرادات غير الهيدروكربونية، ولا سيما بتخفيض الإعفاءات الضريبية وتعزيز التحصيل الضريبي؛ واحتواء الإنفاق الجاري؛ وإجراء المزيد من الإصلاحات في نظام الدعم مع حماية الفقراء؛ والحد من الاستثمار العام مع إحداث زيادة كبيرة في مستوى كفاءته؛ وتقوية إطار الميزانية.
ونظرا للتراجع السريع في وفورات المالية العامة، سيحتاج الجزائر إلى زيادة الاعتماد على مصادر أخرى لتمويل العجز في المستقبل. وبفضل مستويات الدين المنخفضة، توجد فرصة لزيادة الاقتراض، بينما يمكن أن يساعد فتح رأسمال بعض المؤسسات المملوكة للدولة أمام مستثمري القطاع الخاص، بصورة شفافة، على تلبية احتياجات التمويل مع تحسين حوكمتها.
النشرة الإلكترونية: أشرت أيضا إلى إصلاح الدعم. فما حجم الدعم في الجزائر، وما الذي ينبغي القيام به في هذا الخصوص؟
السيد دوفان: تشير تقديراتنا إلى بلوغ تكلفة الدعم حوالي 14% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2015. وليست تكلفته على المالية العامة هي المشكلة الوحيدة؛ فالدعم غير عادل في معظمه، ويفيد الأثرياء أكثر بكثير مما يفيد الفقراء. فعلى سبيل المثال، تنفق أغنى 20% من الأسر على منتجات الوقود المدعمة أكثر مما تنفقه أفقر 20% من الأسر بمتوسط 6 أضعاف. وبالإضافة إلى ذلك، يشجع الدعم الاستهلاك المفرط، ويؤدي إلى تشوهات اقتصادية وبيئية. ويمكن جعل النظام أكثر عدالة مع خفض تكلفته من خلال زيادة التخفيض التدريجي للدعم المعمم وإبداله بنظام للتحويلات النقدية يوجه بدقة إلى أقل الأسر دخلا.
النشرة الإلكترونية: ما مدى تعرض الاقتصاد الجزائري لتداعيات الصراعات الإقليمية؟
السيد دوفان: الصراعات الإقليمية مصدر للقلق حتى إذا أسفرت التدفقات التجارية والمالية المنخفضة داخل المنطقة عن أثر مباشر محدود على الاقتصاد الجزائري. وفي هذا السياق الإقليمي، من الضروري للغاية الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي. ولكن الخطر هو أن تؤدي هذه الشواغل إلى صعوبات في التوصل إلى توافق الآراء اللازم حول الإصلاحات المطلوبة بما ينشئ عقبات أمام تنفيذها ويسفر في نهاية المطاف عن عملية تصحيح أكثر فجائية. ولاجتياز هذه المفاضلة، يمكن أن يكون القيام بحملة فعالة للتواصل العام عاملا مساعدا في رفع الوعي بشأن مزايا الإصلاحات – ولا سيما ارتفاع النمو وزيادة المصادر الأكثر استمرارية لتوفير فرص العمل، ومدى تكلفة التهاون، وكيفية اقتسام أعباء التصحيح.
النشرة الإلكترونية: أقر الجزائر دستورا جديدا مؤخرا لدعم زيادة الشفافية، وتحسين الحوكمة، وإقامة اقتصاد أكثر اعتمادا على السوق. فما الدور الداعم الذي يمكن أن يقوم به الصندوق لمساعدة السلطات على تحقيق هذه الأهداف؟
السيد دوفان:هذه بالفعل أهداف أساسية، والإشارة التي أرسلها اعتماد الدستور الجديد مهمة. ومن جانبنا، لا يزال الصندوق على التزامه التام بمساعدة الجزائر على تحقيق هذه الأهداف والتكيف مع صدمة أسعار النفط، عن طريق جهودنا المباشرة من خلال المشورة بشأن السياسات والمساعدة الفنية.