مجلة التمويل والتنمية, ديسمبر 2017 • المجلد 54 • العدد 4    النص

أوراق العملة

استقبال تشوبه الانتقادات

جون بيشوب

ورقة بنكنوت جين أوستن الجديدة والحفاوة المنقوصة

من بعض الأوجه، كان يبدو أن اختيار جين أوستن للظهور على ورقة البنكنوت الجديدة من فئة 10 جنيهات استرلينية في المملكة المتحدة هو اختيار آمن. فهذه الروائية البريطانية التي كتبت روايات مثل كبرياء وهوى وعقل وعاطفة لا تزال من أهم الشخصيات المحبوبة في بلدها، كما أن لها جمهورا من المعجبين على مستوى العالم. ورغم وفاتها منذ أكثر من قرنين، فقد عالجت رواياتها قضايا نلمس أصداءها في عالم اليوم.

وحول هذا الاختيار، قالت فيكتوريا كليلاند، رئيس الخزينة في بنك انجلترا، لمجلة التمويل والتنمية إن "جين أوستن كانت مؤلفة رائعة تحظى باحترام كبير والناس يحبون كتبها، ولكنها تتسم بعمق أكثر من ذلك بكثير. فقد كان اهتمامها كبيرا بالمرأة والمجتمع، بالقوة والقيادة ... كانت تسبر أغوار قضايا اجتماعية بالغة الصعوبة في زمنها."

وقد تم الكشف عن ورقة البنكنوت الجديدة في مرقد أوستن الأخير، في كاتدرائية وينشستر، بتاريخ 18 يوليو 2017 الذي يوافق الذكرى المائتين لوفاتها. وإذ وضع بنك انجلترا صورتها على ورقة البنكنوت، فقد أعطاها الشرعية التي سبق أن أسبغها على اثنين آخرين من عمالقة الأدب، هما تشارلز ديكنز وويليام شكسبير.

رأي الخبراء

طلبت مجلة التمويل والتنمية إلى بعض كبار المتخصصين في أدب أوستن اختيار اقتباس جديد لوضعه على العملة الورقية من فئة 10 جنيهات استرلينية. وإليكم الاقتراحات:

"من النادر، النادر جدا، أن تكون الحقيقة الكاملة وليدة أي إفصاح بشري" - إيما

اختيار كلوديا جونسون، أستاذة في جامعة برينستون ومؤلفة كتاب جين أوستن: النساء والسياسة والرواية

"حظي الرجال بكل المزايا في سرد قصتهم ... كان القلم في أيديهم." - إقناع

اختيار هيلينا كيلي، مؤلفة كتاب جين أوستن، الراديكالية المتخفية

"يحسُن بالمرء أن يقتنص السعادة بكل السبل الممكنة." – دير نورثانجر

اختيار جانيت تود، ناقدة وروائية ورئيس أسبق لكلية لوسي كافنديش، كامبريدج

"الدخل الكبير هو أفضل وصفة سمعت بها لتحقيق السعادة." – مانسفيلد بارك

اختيار كلير هارمان، مؤلفة كتاب شهرة جين: كيف قهرت جين أوستن العالم

ولكن هذا الحماس لم يكن الشعور السائد لدى الجميع. فإصدار ورقة بنكنوت جديدة دائما ما يكون أمرا شائكا، لكن المخاطر تزداد حين يتعلق الأمر بشخصية محبوبة مثل أوستن. ولذلك فربما كان من المتوقع وسط كل هذا الحماس تجاه الورقة الجديدة أن يكون بعض أشد المنتقدين هم الأكثر معرفة بأعمال أوستن.

خارج السياق

أثار المتخصصون في أدب أوستن عددا من المسائل يتراوح بين صورة أوستن على الورقة (لكونها تبدو متحفظة حيية بخلاف طبيعة هذه الكاتبة الخارجة عن الأعراف دونما إفصاح) وصورة غودمرشام بارك، وهو منزل أخيها الذي تبناه أبناء عمومة من الأثرياء، حيث بدا للبعض غير ممثل لما عاشته أوستن من تقلبات في وضعها المالي ومكانتها الاجتماعية، وهو ما كان مصدرا لطاقة الإلهام في رواياتها.

ولكن أكثر ما أثار حفيظة المتخصصين هو الاقتباس المختار للظهور على الورقة: "أُعلِن في نهاية المطاف أنه لا توجد متعة كالقراءة." بهذه الكلمات الحميدة، بل الباعثة على السكينة، أغضب بنك انجلترا المتخصصين ومعجبي أوستن على حد سواء.

قالت جانيت تود، المشرف العام على تحرير طبعة كامبريدج التي تحمل عنوان أعمال جين أوستن: "إنه من غير المقبول اقتباس كلمات جاءت على لسان شخصية بغيضة مستهزئة من شخصيات رواية كبرياء وهوى."

والواقع أن هذه الكلمات المقتبسة هي جزء من حوار لكارولين بينغلي، المنافس الرئيس لبطلة الرواية إليزابيث بينيت، وهي شخصية متكبرة مخادعة لا تحب القراءة في واقع الحال. ومن ثم فإن انتزاع هذه الكلمات إلى خارج السياق قد أدهش الكثيرين باعتباره مسيئا لأوستن نفسها.

ومن هنا انهال النقاد هجوما على الاقتباس المختار في الأيام التالية للكشف عن الورقة الجديدة. ومع ذلك، فقد أقر البعض بأن بنك انجلترا كان يواجه تحديا جسيما في اقتباسه من أوستن. فالشعراء والفلاسفة يتحدثون عن أنفسهم، لكن الروائيين يتحدثون من خلال شخوصهم فيما يشبه التكلم من البطن الذي يجعل من الصعب العثور على عبارة بليغة تعبر عن معتقدات الكاتب الشخصية. وتصبح المهمة بالغة الصعوبة حين تكون عدة الكاتب هي خفة الظل والهجاء والسخرية.

وقالت ديدريه شونا لينش، الأستاذة في جامعة هارفارد ومحررة كتاب أتباع جين: حواريو أوستن ومعجبوها (Janeites: Austen's Disciples and Devotees)، "ورقة البنكنوت هي رمز للثقة، إنها وعد بالدفع. ولكن لأن أوستن كاتبة ساخرة، يكون وضع اسمها مقترنا بأي شيء جدير بالثقة أصعب مما هو الحال مع بعض الكتاب الآخرين."

نثق في جين

ومع ذلك، فإن ورقة أوستن الجديدة تتميز بعدد من السمات التي تعزز الثقة فيها كمخزن للقيمة. وقد وصفت كليلاند الورقة الجديدة بأنها نتاج سنوات طويلة من الجهد وتكرار المحاولات بين بنك انجلترا ومؤسسات طبع العملة وصناعة النقد. والنتيجة هي ورقة بنكنوت تجمع بين أحدث التكنولوجيات والمهارة الفنية في تناغم تام.

وورقة بنكنوت أوستن من فئة 10 جنيهات استرلينية هي ثاني ورقة بنكنوت انجليزية مطبوعة على مادة البوليمر، مما يجعلها أطول بقاءً وأصعب في التزوير من سابقتها. وبفضل الانتقال إلى البوليمر، فُتح المجال أمام عدد من الابتكارات التكنولوجية، ومن أهمها نافذة كبيرة شفافة تحمل صورة الملكة إليزابيث.

وقد أبرزت كليلاند عدة مواصفات أمنية قالت إنها تمثل طفرة تكنولوجية في تصميم العملة، بما في ذلك صورة كاتدرائية وينشستر التي تبدو بلون ذهبي على الوجه الأمامي وباللون الفضي على الجانب الخلفي.

ويعتبر إلصاق رقاقة معدنية بما هو في الأساس قطعة من البلاستيك مهمة لا يستهان بها في الأصل. ولكن إلصاق الرقاقة على الجانبين بما تحمله من صور مختلفة تماما الواحدة في ظهر الأخرى مباشرة – مثلما حدث مع التاج في الوجه الأمامي من ورقة البنكنوت والكتاب النحاسي المزركش بالحروف "JA" في وجهها الخليفي – إنما هو دلالة على التقدم التكنولوجي.

وعن هذا قالت كليلاند: "أهم شيء يثير إعجاب الناس هو التوصل إلى المزيج الصحيح بين العلم والجمال، وكل ذلك على قطعة بلاستيكية بالغة الصغر يمكن أن تضعها في محفظتك."

وبينما يستحيل أن نعرف رأي أوستن في ورقة العملة التي تحمل صورتها، فإن كونها روائية كتبت بصراحة فائقة عن المال والطبقات والمكانة الاجتماعية يجعلنا نعتقد أنها ربما كانت ستجد وضع صورتها على العشرة جنيهات الاسترلينية اختيارا موفقا إلى حد كبير؛ فهو نفس المبلغ الذي حصلت عليه مقابل روايتها الأولى.


جون بيشوب، موظف مسؤول عن الشؤون المؤسسية في إدارة أمانة صندوق النقد الدولي.