Credit: olaser/iStock by Getty Images

على العالم أن يعطي الأولوية لإصلاحات الإنتاجية من أجل إنعاش النمو متوسط الأجل

بدون اتخاذ خطوات طموحة لتعزيز الإنتاجية، من المتوقع أن يهبط النمو العالمي إلى مستوى أدنى بكثير من متوسطه التاريخي

يواجه الاقتصاد العالمي واقعا باعثا على القلق. فقد تباطأ معدل النمو العالمي – بعيدا عن فترات الصعود والهبوط الدورية - بشكل مطرد منذ الأزمة المالية العالمية التي شهدتها الفترة 2008-2009. وبدون تدخل على مستوى السياسات والاستفادة من التكنولوجيات الناشئة، من غير المرجح أن تعود معدلات النمو الأقوى التي كانت سائدة في الماضي.

وفي مواجهة العديد من العوامل المعاكسة، تدهورت آفاق النمو المستقبلي أيضا. وسوف يتباطأ النمو العالمي إلى ما يزيد قليلا عن 3% بحلول عام 2029، وفقا للتوقعات بشأن السنوات الخمس القادمة في أحدث عدد من تقريرنا عن آفاق الاقتصاد العالمي. ويبين تحليلنا أن النمو من الممكن أن ينخفض بنحو نقطة مئوية أقل من متوسط مستواه قبل الجائحة (2000-2019) بحلول نهاية هذا العقد. ويشكل ذلك تهديدا بعكس اتجاه التحسن في مستويات المعيشة، كما أن التفاوت في درجات التباطؤ بين البلدان الغنية والفقيرة يمكن أن يحد من احتمالات تقارب الدخل على الصعيد العالمي.

وقد يؤدي استمرار سيناريو النمو المنخفض، مقترنا بارتفاع أسعار الفائدة، إلى تعريض القدرة على تحمل الديون للخطر – مما يقيد قدرة الحكومة على مواجهة تباطؤ النشاط الاقتصادي والاستثمار في مبادرات الرعاية الاجتماعية أو البيئة. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي التوقعات بضعف النمو إلى تثبيط الاستثمار في رأس المال والتكنولوجيا، وربما يؤدي هذا الأمر بدوره إلى تعميق التباطؤ. ويتفاقم كل ذلك بسبب العوامل المعاكسة القوية الناجمة عن التشرذم الجغرافي-الاقتصادي، والسياسات التجارية والصناعية الأحادية الضارة.

weo-ch-3-blog-chart-image-1 

غير أن أحدث تحليل أجريناه يبين أن الأمل موجود. ويمكن أن تؤدي مجموعة متنوعة من السياسات معا - من تحسين توزيع العمالة ورأس المال عبر الشركات إلى معالجة النقص في العمالة الناجم عن شيخوخة السكان في الاقتصادات الكبرى – إلى إنعاش النمو على الأجل المتوسط.

وتشتمل العوامل الرئيسية الدافعة للنمو الاقتصادي على العمالة ورأس المال ومدى كفاءة استخدام هذين الموردين، وهو مفهوم يُعرف باسم الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج. وبين هذه العوامل الثلاثة، كان أكثر من نصف تراجع النمو منذ الأزمة مدفوعا بتباطؤ نمو الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج. وتزداد هذه الإنتاجية مع التقدم التكنولوجي وتحسين توزيع الموارد، مما يسمح للعمالة ورأس المال بالانتقال إلى الشركات الأكثر إنتاجية.

weo-ch-3-blog-chart-image-2 

ويبين تحليلنا أن توزيع الموارد مسألة بالغة الأهمية لتحقيق النمو. ومع ذلك، أدى تزايد عدم الكفاءة في توزيع الموارد عبر الشركات إلى تراجع الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج ومعها النمو العالمي في السنوات الأخيرة.

وينبع جزء كبير من سوء التوزيع المتزايد هذا من الحواجز المستمرة، مثل السياسات التي تفضل أو تعاقب بعض الشركات بغض النظر عن إنتاجيتها، والتي تمنع رأس المال والعمالة من الوصول إلى أكثر الشركات إنتاجية. ويحد ذلك من نموها المحتمل. ولو لم يكن سوء توزيع الموارد قد تفاقم، كان من الممكن أن يرتفع نمو الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج بنسبة 50% وكان تباطؤ النمو سيصبح أقل حدة.

وهناك عاملان إضافيان أديا أيضا إلى تباطؤ النمو. فقد تأثر نمو العمالة بالضغوط الديمغرافية في الاقتصادات الكبرى، حيث تتقلص نسبة السكان في سن العمل. وفي الوقت نفسه، أدى ضعف استثمار الشركات إلى إضعاف تكوين رأس المال.

الضغوط متوسطة الأجل

من المتوقع أن تزداد الضغوط الديمغرافية في معظم الاقتصادات الكبرى، وفقا لتوقعات الأمم المتحدة، مما سيؤدي إلى اختلال التوازن في عرض العمالة على مستوى العالم وإضعاف النمو العالمي. وسوف يرتفع عدد السكان في سن العمل في الاقتصادات المنخفضة الدخل وبعض الاقتصادات الصاعدة، في حين ستواجه الصين ومعظم الاقتصادات المتقدمة (باستثناء الولايات المتحدة) انكماشا في حجم العمالة. وبحلول عام 2030، نتوقع أن ينخفض معدل نمو المعروض من العمالة على الصعيد العالمي إلى ما لا يزيد عن 0,3%، وهي نسبة صغيرة من متوسط المعدل الذي كان سائدا في فترة ما قبل الجائحة.

وقد يصحح جزء من سوء توزيع الموارد نفسه بمرور الوقت، مع انجذاب العمالة ورأس المال نحو الشركات الأكثر إنتاجية. ومن شأن ذلك أن يقطع شوطا نحو تخفيف أثر تباطؤ الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج حتى مع استمرار الحواجز الهيكلية والمتعلقة بالسياسات في إبطاء هذه العملية. وقد يؤدي الابتكار التكنولوجي أيضا إلى تخفيف التباطؤ.

weo-ch-3-blog-chart-image-3 

ولكن بشكل عام، من المرجح أن تستمر وتيرة انخفاض نمو الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج، مدفوعة بتحديات مثل الصعوبة المتزايدة في تحقيق طفرات تكنولوجية، وركود مستوى التحصيل التعليمي، وتباطؤ العملية التي يمكن من خلالها للاقتصادات الأقل نموا أن تلحق بركب أقرانها الأكثر تقدما.

وفي ظل عدم وجود تطورات تكنولوجية أو إصلاحات هيكلية كبيرة، نتوقع أن يصل النمو الاقتصادي العالمي إلى 2,8% بحلول عام 2030، وهو أقل بكثير من المتوسط التاريخي البالغ 3,8%.

إنعاش النمو العالمي

يتناول تحليلنا تقييم أثر السياسات على عرض العمالة وتوزيع الموارد، على خلفية التقدم السريع للذكاء الاصطناعي ، وفرط الديون العامة، والتشرذم الجغرافي-الاقتصادي.

ونحن ندرس سيناريوهات تتضمن تحولات طموحة، ولكن قابلة للتحقق، في السياسات التي تعالج سوء توزيع الموارد من خلال تحسين مرونة أسواق المنتجات والعمل، والانفتاح التجاري، والتنمية المالية. ونحن ننظر أيضا في السياسات الرامية إلى تعزيز عرض العمالة أو الإنتاجية عن طريق إصلاح إعانات التقاعد والبطالة، ودعم رعاية الأطفال، وتوسيع برامج إعادة التدريب واكتساب المهارات، وتحسين إدماج العاملين المهاجرين، فضلا على إزالة الحواجز الاجتماعية والجنسانية.

وتشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن منافع زيادة المشاركة في القوى العاملة، واندماج مزيد من العاملين المهاجرين في الاقتصادات المتقدمة، وتحقيق المستوى الأمثل من توزيع المهارت في الأسواق الصاعدة، محدود نسبيا.

وعلى النقيض من ذلك، فإن الإصلاحات التي تهدف إلى تعزيز الإنتاجية والاستفادة بشكل كامل من الذكاء الاصطناعي أساسية لإنعاش النمو على الأجل المتوسط. ويشير تحليلنا إلى أن إجراءات السياسات المركزة لتعزيز المنافسة في السوق، والانفتاح التجاري، والوصول إلى الخدمات المالية، ومرونة سوق العمل يمكن أن ترفع النمو العالمي بنحو 1,2 نقطة مئوية بحلول عام 2030. وقدرة الذكاء الاصطناعي على رفع إنتاجية العاملين غير مؤكدة ولكنها من المحتمل أن تكون كبيرة أيضا، وربما يضيف الذكاء الاصطناعي ما يصل إلى 0,8 نقطة مئوية إلى النمو العالمي، حسب مستوى تبنيه وأثره على القوى العاملة.

وعلى المدى الطويل، ستكون السياسات المدفوعة بالابتكار حاسمة في الحفاظ على النمو العالمي.

—تستند هذه التدوينة إلى الفصل 3 في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي بعنوان "تباطؤ النمو العالمي متوسط المدى: ما المطلوب لتغيير اتجاه التيار؟"، وتعكس بحثا من إعداد كيارا ماغي، وسيدريك أوكو، وألكسندر سولاتشي، وروبرت زيميك.