الصورة: REMO CASILLI/REUTERS/Newscom الصورة: REMO CASILLI/REUTERS/Newscom

العمل المشترك مطلوب لتأمين التعافي

بقلم: كريستالينا غورغييفا

حين يجتمع قادة مجموعة العشرين في روما في نهاية هذا الأسبوع، بإمكانهم أن يستمدوا الإلهام من جرأة تصميم مقر الاجتماع، المعروف باسم La Nuvola.

فمثلما أبدع المصمم المعماري* مساحة جديدة تخطف الأنظار، يجب على قادة العالم أن يشرعوا على الفور في تحرك جريء لإنهاء الجائحة وخلق الحيز المطلوب لاقتصاد كثر استدامة وشمولا لكل شرائح المجتمع.

ومما يبعث على السرور أن ركائز التعافي لا تزال قوية، بفضل الأثر المجمَّع للقاحات والتدابير الاستثنائية المتزامنة على صعيد السياسات بقيادة مجموعة العشرين. غير أن هناك ما يعرقل تقدمنا، وخاصة تلك السلالات المتحورة الجديدة من الفيروس وتأثيرها الاقتصادي، بالإضافة إلى الانقطاعات في سلاسل الإمداد.

وقد خفض الصندوق مؤخرا تنبؤاته للنمو العالمي إلى 5,9% لهذا العام. ذلك أن الآفاق يخيم عليها قدر هائل من عدم اليقين، كما تشيع مخاطر التطورات المعاكسة. كذلك فإن معدلات التضخم ومستويات الدين آخذة في التصاعد في كثير من الاقتصادات. أما تباعد المصائر الاقتصادية فهو في تزايد مستمر، وهناك عدد كبير للغاية من البلدان النامية يفتقر بشدة إلى اللقاحات والموارد اللازمة لدعم التعافي على السواء.

فما الذي ينبغي القيام به، إذن؟

يدعو تقريرنا الجديد المقدم لمجموعة العشرين* إلى اتخاذ إجراءات حاسمة داخل كل اقتصاد. فعلى سبيل المثال، ينبغي للسياسة النقدية أن تتجاوز الارتفاعات العابرة في التضخم، ولكن مع التأهب للتحرك بسرعة إذا ما أصبحت مخاطر ارتفاع التوقعات التضخمية ملموسة. وهنا، يصبح الإفصاح الواضح عن خطط السياسات أكثر أهمية من أي وقت مضى لتجنب انتقال التداعيات المعاكسة عبر الحدود.

ومن الممكن أن تؤدي المعايرة الدقيقة للسياسة النقدية وسياسة المالية العامة، مصحوبة بأطر قوية للمدى المتوسط، إلى خلق حيز أكبر للإنفاق على الرعاية الصحية والمواطنين المعرضين للمخاطر. ومن شأن عمليات المعايرة هذه أن تحقق مكتسبات سريعة حتى نهاية 2022.

وبعد ذلك، تتحقق معظم المكتسبات الإضافية من خلال تعزيز الإصلاحات الهيكلية – مثال ذلك سياسات سوق العمل التي تدعم البحث عن وظائف وإعادة التدريب، وإصلاح القواعد المنظِّمة لسوق المنتجات بغية خلق الفرص للشركات الجديدة عن طريق تخفيض الحواجز أمام دخولها. ومن شأن هذه الحزمة من السياسات ذات المدى القصير إلى المتوسط أن تعزز إجمالي الناتج المحلي الحقيقي الكلي في مجموعة العشرين بنحو 4,9 تريليون دولار حتى نهاية عام 2026.

السياسة الكلية والإصلاحات المعزِّزة للنمو يمكن أن ترفع الناتج. 

وبالطبع، ونظرا لجسامة التحديات، فليست إجراءات السياسات المحلية بكافية لمواجهتها. فنحن نحتاج أيضا إلى تحرك مشترك فوري بقيادة مجموعة العشرين – وليس مجرد التزامات وحسب – فيما يتعلق بثلاث أولويات:

أولا، إنهاء الجائحة عن طريق سد فجوات التمويل واقتسام جرعات اللقاح:

فلا تزال الجائحة تمثل الخطر الأكبر على صحة الاقتصاد، ويتفاقم تأثيرها من جراء عدم المساواة في فرص الحصول على اللقاحات والتفاوتات الكبيرة في حجم الموارد المتاحة في المالية العامة. ولهذا نحتاج إلى تحقيق الأهداف التي اقترحها صندوق النقد الدولي*، والبنك الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة التجارة العالمية – وهي تطعيم 40% على الأقل من سكان كل بلد مع نهاية عام 2021، و70% مع منتصف عام 2022.

ولكننا لا نزال متأخرين في تحقيق هذه الأهداف: فحوالي 75 بلدا، معظمها في إفريقيا، ليست على المسار المؤدي إلى تحقيق هدف 2021.

إمدادات اللقاح الفعلية المتوقعة في نهاية 2021 

ولكي تصبح هذه البلدان على المسار الصحيح، ينبغي أن تقدم مجموعة العشرين تمويلا إضافيا في شكل منح بمقدار 20 مليار دولار لتغطية تكاليف اختبارات الكشف عن الفيروس، والعلاج منه، والإمدادات الطبية اللازمة لمواجهته، واللقاحات المضادة له. ومن شأن هذا التمويل الإضافي أن يسد جانبا ملموسا من الفجوة التمويلية.

ونحتاج أيضا إلى إجراء عاجل لتعزيز إمدادات اللقاحات في العالم النامي. فبينما وعدت مجموعة العشرين بتقديم أكثر من 1,3 مليار جرعة من خلال آلية "كوفاكس"، فقد تم تسليم أقل من 170 مليون جرعة. وبالتالي، فمن الضروري أن تفي البلدان بتعهداتها على الفور.

ومما يكتسب أهمية مماثلة أن تتم مبادلة مواعيد التسليم بالنسبة للجرعات المتعاقد عليها بالفعل، بحيث يتسلم المشتري الأشد احتياجا جرعات اللقاح أولا. فينبغي للبلدان التي حققت تغطية التطعيم فيها نسبا مرتفعة أن تُبادل مواعيد التسليم الخاصة بها بمواعيد تسليم آلية كوفاكس والصندوق الاستئماني الإفريقي لاقتناء اللقاحات (AVAT) بغية تسريع التسليم للبلدان الأكثر احتياجا.

ويجب اتخاذ هذه التدابير وغيرها لإنقاذ الأرواح وتعزيز التعافي. ذلك أن استمرار تأثير كوفيد-19 لفترة طويلة من شأنه تخفيض إجمالي الناتج المحلي عن التوقعات الحالية بمقدار 5,3 تريليون دولار على أساس تراكمي في الخمس سنوات القادمة. ولا بد لنا من تحقيق نتيجة أفضل من ذلك!

ثانيا، مساعدة البلدان النامية في التكيف مالياً:

بينما يستمر التعافي العالمي، لا تزال بلدان كثيرا تتضرر بشدة. لنتذكر، مثلا، كيف أسفرت الجائحة عن زيادة حادة في مستويات الفقر والجوع، مما رفع عدد المصابين بنقص التغذية إلى أكثر من 800 مليون شخص في عام 2020.

وفي هذا الوضع المحفوف بالمخاطر، يجب ألا يُطلَب إلى البلدان المعرضة للخطر أن تختار بين السداد للدائنين وتوفير الرعاية الصحية والإمدادات الحيوية اللازمة لمواجهة الجائحة.

وقد استفاد بالفعل بعض بلدان العالم الأشد فقرا من التعليق المؤقت لمدفوعات الدين السيادي المستحقة عليها لدائنين رسميين، بمبادرة من مجموعة العشرين. وعلينا الآن تعجيل تنفيذ الإطار المشترك الذي وضعته مجموعة العشرين لمعالجة الديون. ومفاتيح الوصول إلى هذا الهدف هي زيادة الوضوح بشأن كيفية استخدام الإطار وتقديم حوافز للمدينين لكي يسعوا لمعالجة الديون في ظل الإطار المشترك بمجرد ظهور إشارات واضحة لازدياد عمق المديونية الحرجة. وسيؤدي التواصل المبكر مع كل الدائنين، بما في ذلك القطاع الخاص، وتقصير الفترات الزمنية التي تستغرقها معالجة الدين، إلى إحداث فرق في دور الإطار المشترك ومدى جاذبيته.

ومن المهم تقديم المساعدة في التعامل مع الدين، ولكن هذا لا يكفي. فنظرا لضخامة احتياجات التمويل، سيحتاج العديد من البلدان النامية إلى مزيد من الدعم في جهودها لزيادة الإيرادات، وكذلك المزيد من المنح والتمويل الميسر ودعم السيولة. ونحن في الصندوق، عززنا دعمنا للبلدان الأعضاء بطرق غير مسبوقة، بما في ذلك تقديم تمويل جديد لعدد 87 بلدا وإجراء توزيع غير مسبوق لمخصصات من حقوق السحب الخاصة بقيمة 650 مليار دولار.

وقد استفادت البلدان بالفعل من حيازة وحدات جديدة من حقوق السحب الخاصة لتكون جزءا من احتياطياتها الرسمية. وتستخدم بعض البلدان الوحدات المخصصة لها لتمويل احتياجات ذات أولوية، مثل استيراد اللقاحات، وزيادة الطاقة الإنتاجية للقاحات، ودعم الأسر الأشد ضعفا.

ونحن نهيب الآن بالبلدان ذات المراكز الخارجية القوية أن تتبرع بجزء من حقوق السحب الخاصة الموزعة عليها لصالح "الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر"، مما يعزز قدرتنا على تقديم قروض للبلدان منخفضة الدخل بسعر فائدة صفري. 

ثالثا، الالتزام بحزمة شاملة من الإجراءات للوصول بصافي انبعاثات الكربون إلى مستوى الصفر بحلول منتصف القرن.

ويتوقع خبراء الصندوق في تحليل جديد أن رفع كفاءة استهلاك الطاقة والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة يمكنهما أن يمثلا مصدرا صافيا لخلق الوظائف، لأن تكنولوجيات الطاقة المتجددة غالبا ما تكون أكثر كثافة في استخدام العمالة مقارنة بالوقود الأحفوري. والواقع أن تنفيذ خطة استثمارية شاملة مصحوبة بمزيج من سياسات الإمداد الخضراء من شأنه رفع إجمالي الناتج المحلي العالمي بنحو 2% في العقد لحالي – وخلق 30 مليون وظيفة جديدة.

وبعبارة أخرى، بينما نسعى جاهدين للوصول إلى انبعاثات صافية صفرية، يمكننا تعزيز الرخاء – شريطة أن نتحرك معا ونساعد على ضمان التحول في نظام الطاقة على نحو يعود بالنفع على الجميع. وستحتاج شرائح السكان الأشد تعرضا للمخاطر داخل كل مجتمع وفيما بين البلدان إلى مزيد من المساعدة في إجراء التحول الهيكلي إلى اقتصاد منخفض الكربون.

وهناك أمر واضح في هذا الصدد، وهو أن تحديد سعر مرتفع للكربون هو في صلب أي حزمة سياسات شاملة. وهنا سيكون لقيادة مجموعة العشرين دور حيوي، ولا سيما حين يتعلق الأمر ببناء التأييد لتطبيق حد أدنى دولي لسعر الكربون.  ومن الممكن أن يساعد العمل معا أيضا على تجاوز القيود السياسية.

وبمقتضى اقتراح* الصندوق، يُنظَر بعين الاعتبار إلى مستوى التنمية في كل بلد عند وضع حد أدنى سعري لكبرى البلدان المُصْدِرة للانبعاثات، كما يُسمح بوضع قواعد تنظيمية معادِلة بدلا من استخدام آلية سعرية صريحة مثل تداول الانبعاثات. ويمكن أن يمثل هذا نقطة الانطلاق لتخفيضات في غازات الاحتباس الحراري في هذه اللحظة الحرجة بالنسبة للعالم.

وفي قمة المناخ (COP26) المقرر عقدها في غلاسكو، ستتاح لقادة مجموعة العشرين فرصة لا تتكرر في جيل واحد لتحويل بوصلة الكربون في الاتجاه الصحيح ودعم الاقتصادات النامية. وتتسم هذه البلدان بأسرع معدلات النمو السكاني والطلب على الطاقة. ولكن لديها أقل هامش من الموارد في ماليتها العامة من أجل زيادة الاستثمار في أنشطة التكيف مع تغير المناخ وتخفيض الانبعاثات – وغالبا ما تفتقر إلى التكنولوجيا المطلوبة.

وعلى أقل تقدير، يتطلب هذا من البلدان الأغنى أن تفي بالتعهد الذي قطعته منذ فترة طويلة بتقديم 100 مليار دولار سنويا لتمويل الاستثمارات الخضراء في العالم النامي.

ومن جانبنا، فنحن ندعو إلى توجيه جانب من مخصصات حقوق السحب الخاصة نحو إنشاء الصندوق الاستئماني الجديد للصلابة والاستدامة الذي أيدته بلداننا الأعضاء بقوة أثناء الاجتماعات السنوية. وسيساهم هذا في تغطية احتياجات البلدان منخفضة الدخل والبلدان متوسطة الدخل المعرضة للمخاطر، بما في ذلك البلدان التي تمر بمرحلة التحول نحو اقتصاد أكثر خضرة.

ومما سيساعد على تعبئة الموارد من أجل الاستثمارات التحويلية أن يتم استكمال وتدعيم الاتفاق التاريخي بشأن الحد الأدنى العالمي لضريبة الشركات.

وستكون هذه الأولوية وغيرها في صدارة القضايا التي تدور في أذهان قادة العالم وهم يلتقون في مركز مؤتمرات La Nuvola.

إن هذا المبنى الذي يتميز بتصميمه العصري والمتنوع قد أنشئ من خلال مزيج من الرؤية والتعاون والعمل الشاق – وهو ما نحتاجه بالضبط من مجموعة العشرين في هذه اللحظة المحورية. ولتأمين التعافي وبناء مستقبل أفضل للجميع، يجب القيام بتحرك مشترك الآن.

*بالانجليزية