يواجه المصابون بعدوى فيروس كورونا احتمالات التعرض لصدمة قوية تؤثر على مستوى رفاهيتهم الشخصية والاقتصادية. فالوضع قيد العزل أو الخضوع للعلاج يعني انقطاع المصاب عن العمل، وما لم يكن مشمولا بنظام للإجازات المرضية مدفوعة الأجر، فسينتهي الأمر بهذا الضحية سيء الحظ إلى خسارة قدر كبير من دخل عمله. وتتطلب معالجة المرض كذلك توفير الدواء، وبالتالي قد يحتاج المريض أن ينفق المزيد من دخله الآخذ في الانكماش.
وعلى نفس الغرار، فإن البلدان التي تتعرض لحالة طوارئ مفاجئة وغير متوقعة في مجال الصحة العامة - وهو ما يصدُق الآن على عدوى فيروس كورونا - قد تجد ميزانياتها تنكمش في سياق مواجهة التبعات الإنسانية والاقتصادية.
وسوف تصبح الحكومات بحاجة إلى زيادة إنفاقها لمكافحة أثر هذا الفيروس. وربما تعاني في نفس الوقت من انخفاض في إيراداتها نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي. وقد تواجه البلدان كذلك انخفاض إيرادات صادراتها بسبب تراجع عائدات السياحة أو انخفاض أسعار السلع الأولية. ويمكن أن تتفاقم كل هذه الأوضاع في حالة حدوث توقف مفاجئ في تدفقات رؤوس الأموال الداخلة. وقد يترتب على هذه الأمور مجتمعة نشوء حاجة عاجلة لتمويل ميزان المدفوعات لمجابهة التفاوت بين تدفقات النقد الأجنبي الداخلة والخارجة.
وحتى إذا حالف الحظ أحد البلدان بما يكفي لتلافي الإصابة بالعدوى الفيروسية واسعة الانتشار، فلا تزال احتمالات تعثر النشاط الاقتصادي قائمة نتيجة انتقال التداعيات من التطورات العالمية أو سلاسل العرض المنقطعة.
المساعدة المالية في الوقت المناسب
بينما سيتم التعامل مع التأثير المادي للفيروس عن طريق المتخصصين في الرعاية الصحية، فإن الصندوق بإمكانه المساعدة في التخفيف من حدة التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا (كوفيد-19). وأكبر دعم يمكن أن يقدمه في مثل هذه الطوارئ هو من خلال توفير المساعدة المالية في الوقت المناسب.
فالصندوق له تاريخ طويل ولديه خبرة كبيرة في الاستجابة للكوارث الطبيعية أو الأوبئة أو أوضاع ما بعد الصراعات. وتشكل المساعدة المالية الطارئة، في المتوسط، 20% من طلبات أعضاء الصندوق للحصول على الدعم من المؤسسة. والتمويل السريع يمكن أن يمثل مطلبا ضروريا لتجديد موارد الاحتياطيات الدولية، أو الحصول على الواردات الحيوية، أو تعزيز الميزانيات.
فعندما تعرضت أجزاء من إفريقيا للدمار من جراء فيروس إيبولا - وعانت غينيا وليبيريا وسيراليون من مشاق إنسانية واقتصادية كبيرة - قدم الصندوق لهذه البلدان الثلاثة مساعدات مالية طارئة بشروط ميسرة بقيمة قدرها 378 مليون دولار أمريكي، بلغ مجموعها 2,3% من إجمالي ناتجها المحلي المجمع.
وقدم لها الصندوق كذلك مساعدات لتخفيف أعباء ديونها مستخدما الأموال المتاحة من الصندوق الاستئماني لاحتواء الكوارث وتخفيف أعباء الديون*، التابع له، والذي قد يتم تعزيزه قريبا بمبلغ قدره 150 مليون دولار أمريكي مساهمة من المملكة المتحدة*.
أداتان للتمويل الطارئ
في ظل أداتي التمويل الطارئ اللتين أنشأهما الصندوق -وهما التسهيل الائتماني السريع وأداة التمويل السريع*—يمكن أن تحصل البلدان الأعضاء على التمويل للاستجابة للصدمات، بما في ذلك الكوارث الطبيعية والصحية الكبيرة. وتتمثل مزايا أداتي الإقراض في حجمهما الكبير وسرعة ومرونة استجابتهما. ففي أعقاب اجتياح إعصار إيداي أنحاء موزامبيق، بلغت الفترة بين تقديم الطلب والموافقة عليه حوالي أربعة أسابيع.
وعلى عكس برامج الصندوق التي تقدم التمويل على مدار فترة زمنية، فإن المبالغ المنصرفة في ظل هاتين الأداتين تكون في شكل مدفوعات لمرة واحدة الغرض منها تغطية احتياج عاجل لتمويل ميزان المدفوعات ولا تخضع لشروط الصندوق التقليدية. وليس على البلد المعني سوى إظهار أن ديونه يمكن الاستمرار في تحملها وإعلان التزامه بسياسات اقتصادية تساعده في تجاوز الوضع الطارئ.
الحقائق بالأرقام
في حالة حدوث هبوط حاد في النشاط الاقتصادي من جراء فيروس كورونا (كوفيد-19)، تشير تقديراتنا إلى احتمال أن يُطلب إلى الصندوق توفير تمويلا طارئا بمبلغ يصل إلى 50 مليار دولار أمريكي لتمويل الاستجابة الأولية في بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية. ومن الممكن إتاحة المزيد من المساعدات لدى اتضاح حجم التحديات الماثلة. وعلى وجه التحديد، فإن البلدان منخفضة الدخل بإمكانها الاستفادة من حوالي 10 مليارات دولار أمريكي من أصل هذا المبلغ، على أساس شروط ميسرة في الغالب.
وإلى جانب حالات الطوارئ المباشرة، يمكن للبلدان الأعضاء أيضا طلب الحصول على قرض جديد - بالسحب من ذخيرة الصندوق البالغة حوالي تريليون دولار أمريكي من حصص العضوية والموارد المقترضة —كما يمكن للمقترضين الحاليين زيادة الموارد المتاحة لهم من اتفاقات الإقراض الجارية.
وبينما نتابع تكشف حالة الطوارئ الصحية، كغيرنا من أنحاء المجتمع العالمي، فإن الصندوق يعقد الأمل على تحقق الأفضل. ولكننا مستعدون، من خلال أدوات التمويل الطارئ، لمواجهة الأسوأ، وذلك، كما قالت الكاتبة الأمريكية "مايا أنجيلو"، لنتمكن من محاولة عدم الشعور بالدهشة من حدوث أي شيء في الوسط.
* بالانجليزية
*****
مارتن مولايزن يعمل مديراً لإدارة الاستراتيجيات والسياسات والمراجعة (SPR) في صندوق النقد الدولي. وبهذه الصفة، يقود العمل المتعلق بالتوجه الاستراتيجي للصندوق وتصميم سياساته وتنفيذها وتقييمها. ويُشرف السيد مولايزن أيضاً على العلاقات المتبادلة بين الصندوق والكيانات الدولية، مثل مجموعة العشرين والأمم المتحدة.