(الصورة: Sihiwe Sibeko/Reuters/Newscom) (الصورة: Sihiwe Sibeko/Reuters/Newscom)

النظر بواقعية في تنفيذ تعهدات المناخ المتفق عليها في إطار اتفاق باريس

بقلم: كريستين لاغارد وفيتور غاسبار

أصبح تغير المناخ تحديا وجوديا جسيما في الوقت الحاضر. وهو تحد يشمل كل المناطق، وينطوي على عواقب وخيمة بالنسبة للبلدان منخفضة الدخل على وجه الخصوص. 

وما لم تُتخذ إجراءات لتخفيف آثاره، يُتوقَّع أن ترتفع درجات الحرارة العالمية لتتجاوز مستويات ما قبل الثورة الصناعية بمقدار 4 درجات مئوية مع نهاية هذا القرن – مع ما يستتبع ذلك من مخاطر متزايدة تتعذر معالجتها وتهدد بانهيار طبقات الجليد، وإغراق الدول الجزرية المنخفضة، ووقوع أحداث جوية متطرفة، وسيناريوهات احترار عالمي جامح.

ويمكن أن يؤدي احترار المناخ أيضا إلى زيادة مخاطر انقراض نسبة كبيرة من أنواع الكائنات الحية، وانتشار الأمراض، ونقص الأمن الغذائي، وانخفاض الموارد المتجددة من المياه السطحية والجوفية.

climate 

ويمكن أن يؤدي احترار المناخ أيضا إلى زيادة مخاطر الانقراض لنسبة كبيرة من أنواع الكائنات الحية، وانتشار الأمراض، ونقص الأمن الغذائي، وانخفاض الموارد المتجددة من المياه السطحية والجوفية. والخبر السار هو أن هذا التهديد الآني كان مُلهما لاستجابة غير مسبوقة على الصعيد متعدد الأطراف. فقد قدم 190 طرفا استراتيجيات مناخية – كلها تقريبا اقترن بشكل من أشكال الالتزام بتخفيف آثار تغير المناخ – في إطار اتفاق باريس لعام 2015. وقد حان الوقت للتفكير بواقعية في كيفية تحقيق هذه التعهدات.

ضرورة تسعير الكربون بشكل فعال

ويتزايد توافق الآراء على أن تسعير الكربون – أي فرض رسوم على المحتوى الكربوني في الوقود الأحفوري أو انبعاثاته – هو أكثر الأدوات فعالية على الإطلاق في تخفيف آثار تغير المناخ. فهو يتيح حافزا شاملا لتخفيض استهلاك الطاقة، واستخدام أنواع وقود أنظف، وتعبئة التمويل الخاص.

كذلك يحقق تسعير الكربون إيرادات تحتاجها البلدان بشدة. وينبغي تخصيص هذه الإيرادات لإعادة توجيه الموارد العامة نحو دعم النمو المستدام والاحتوائي. وتختلف أفضل السبل لتحقيق ذلك حسب ظروف كل بلد. ففي بعض الحالات، يعني هذا الاستثمار في البشر والبنية التحتية، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وفي حالات أخرى، قد يعني تخفيض الضرائب التي تضر بحوافز العمل وبالنمو.    

ويناقش الصندوق في تقرير جديد كيف يمكن استخدام أسعار الكربون لتنفيذ تعهدات اتفاق باريس فيما يتعلق بتخفيف آثار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وجدير بالذكر أن هذه التعهدات وأسعار الكربون المطلوبة لتحقيقها تختلف باختلاف البلدان، وينظر التقرير في أثر تحديد سعري 35 دولارا و70 دولار لطن الكربون على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وفي حالة بلدان مجموعة العشرين، المسؤولة مجتمعة عن أربعة أخماس الانبعاثات العالمية، سيكفي تحديد سعر للكربون أقل بكثير من 35 دولارا للطن لتحقيق تعهداتها، وهو ما ينطبق أيضا على أعضاء المجموعة الرئيسيين مثل الصين والهند.

وبالرغم من أن سعر 35 دولارا للطن من شأنه مضاعفة أسعار الفحم تقريبا، فإنه لن يضيف أكثر من 5% إلى 7% لأسعار تجزئة وقود السيارات. ولكن بالنسبة لبعض البلدان ذات التعهدات الأكثر طموحا، حتى 70 دولارا للطن لن يكون سعرا كافيا لتحقيق المستوى المطلوب.

climate 

ولكن حتى إذا تم تحقيق كل التعهدات الحالية، فسيؤدي هذا إلى تخفيض الاحترار المتوقع إلى 3 درجات مئوية فقط – وهو مستوى يظل مخيفا للغاية – بدلا من هدف اتفاق باريس الذي يتراوح بين 1,5 و 2 درجة مئوية. وسيتطلب تحقيق هدف 2 درجة مئوية تخفيض الانبعاثات بنحو الثلث مع حلول عام 2030 والوصول بسعر الكربون العالمي إلى نحو 70 دولارا للطن.

وقد اتُّخِذت خطوة أولى في تسعير الكربون بتفعيل أكثر من خمسين نظاما لضرائب الكربون وتداول الانبعاثات على كل من المستوى الإقليمي والوطني ودون الوطني. ولكن لا شك أن هناك طريقا طويلا وشاقا لا يزال يتعين اجتيازه، لأن متوسط سعر الكربون العالمي لا يتجاوز دولارين للطن.

ومن الواضح أيضا أن تسعير الكربون يمكن أن يكون بالغ الصعوبة من الناحية السياسية، وهو أمر تذكرنا به الأحداث في كل مكان. ولذلك، فمن الضروري إدارة هذه العملية على نحو شامل. وينطوي هذا في المعتاد على تطبيق تسعير الكربون تدريجيا والإفصاح الواضح عن كيفية استخدام الإيرادات المتحققة منه. وبالنسبة لاستخدام الإيرادات، سيتعين تحقيق التوازن بين متطلبات التوزيع والكفاءة والاعتبارات السياسية.

ولكن حتى في ظل هذه الظروف المثالية، قد نحتاج إلى أدوات أخرى لتدعيم تسعير الكربون، أو حتى إيجاد بديل له. وتوضح دراسة الصندوق الخيارات الممكنة في 135 بلدا باستخدام أداة تجري تقديرا كميا لتأثير مجموعة من أدوات التخفيف المختلفة على الانبعاثات والمالية العامة والاقتصاد. وأحد المناهج الواعدة في هذا الخصوص هو تجنب تطبيق زيادة صعبة سياسيا في أسعار الوقود عن طريق الأخذ بنظم الدعم الضريبي ذات الأثر المحايد على الإيرادات كعنصر مكمل لتسعير الكربون، من أجل زيادة حوافز استخدام أنواع طاقة أنظف، والتحول إلى استخدام مَرْكَبات أنظف، وإدخال تحسينات في كفاءة استخدام الطاقة.   

وعلى المستوى الدولي، يمكن العمل على تحقيق هدف أكثر طموحا عن طريق تعزيز عملية باريس بترتيب طوعي يرسي حدا أدنى لسعر الكربون بين البلدان التي تصدر عنها أكبر الانبعاثات. ومن شأن الحد الأدنى لسعر الكربون أن يضمن حدا أدنى من الجهد المخفِّف لآثار الانبعاثات بين الأطراف المشاركة مع تقديم بعض التطمينات لعدم حدوث خسائر في التنافسية. ويمكن للبلدان المتقدمة أن تقبل تحمل مسؤولية أكبر بشأن تخفيف الآثار عن طريق اشتراط حد أدنى أكثر ارتفاعا لسعر الكربون. ويمكن تصميم النظام بصورة مرنة لمراعاة ظروف البلدان وما تطبقه من سياسات.

إصلاح دعم الطاقة

وهناك نقطة أساسية أخرى، وهي أن ضرر استخدام الطاقة المستمدة من الوقود الأحفوري ليس مقصورا على تغير المناخ. فاستخدامها يسفر أيضا عن وفيات من جراء تلوث الهواء محليا، كما يسفر عن اختناقات مرورية وحوادث طرق.

ولكل هذه الأسباب، فإن كثيرا من البلدان تحدد أسعارا خاطئة للطاقة في الوقت الحاضر، متغافلة حتى عن بواعث القلق المتعلقة بالمناخ.

وتشير التقديرات الواردة في ورقة عمل جديدة* أصدرها الصندوق إلى أن التكلفة شديدة الارتفاع المترتبة على الدعم العالمي لطاقة الوقود الأحفوري من خلال التسعير المنقوص لتكلفة إمدادات الطاقة والتكاليف البيئية، والتي بلغت 5,2 تريليون دولار أمريكي في 2017، أو 6.5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وهو ما لا يختلف كثيرا عن تقديراتنا السابقة*. وتستفيد البلدان القائمة بالإصلاح من معظم منافع إصلاح الأسعار، مما يمكنها من تحسين أحوالها المعيشية، مع المساعدة في مواجهة تغير المناخ على المستوى العالمي. ومن الاستنتاجات المهمة في هذا الصدد أن في التضامن مصلحة ذاتية.

وقد أحظيت فكرة إصلاح تسعير الكربون والطاقة بتأييد مبدئي من كل العاملين على قضايا المناخ تقريبا. وينبغي لوزراء المالية، وقد أقروا بمسؤوليتهم في هذا الصدد، أن يتحركوا بسرعة في سعيهم لإيجاد فرص تسمح بتقديم حوافز قوية، واضعين في أذهانهم مختلف القيود السياسية والتوزيعية، وفي خلق وصياغة أدوات تحقق هذا الهدف. ونحن في الصندوق لا نزال متفائلين بأن الممارسات الرشيدة ستظل تظهر وتزدهر، مع ترك أثر محفِّز للآخرين. ويصعب ألا ندرك مدى إلحاح هذه المهمة ونحن نرى التضاؤل السريع في فرص احتواء الاحترار العالمي ضمن حدود يمكن التعامل معها. إن التحرك لمواجهة هذه الظاهرة مطلوب من كل شخص، وكل مؤسسة، وكل بلد. بإمكان الجميع أن يُحْدثوا فرقا!

* بالانجليزية

*********************

كريستين لاغارد تشغل منصب مدير عام صندوق النقد الدولي. وبعد انتهاء مدتها الأولى البالغة خمس سنوات في هذا المنصب، أعيد تعيينها في يوليو 2016 لمدة ثانية. وهي فرنسية الجنسية وسبق لها العمل وزيرا لمالية فرنسا اعتبارا من يونيو 2007 إلى يوليو 2011، كما شغلت منصب وزير دولة للتجارة الخارجية لمدة عامين قبل ذلك التاريخ. وتتمتع السيدة لاغارد بخبرة عملية واسعة وتاريخ مهني بارز كمحام في الشؤون العمالية ومكافحة الاحتكار، إذ كانت شريكا في مؤسسة المحاماة الدولية "بيكر آند ماكينزي" ثم اختارها الشركاء لتكون رئيسا للمؤسسة في أكتوبر 1999، وهو المنصب الذي ظلت تشغله حتى يونيو 2005 حين عينت في أول مناصبها الوزارية في فرنسا. والسيدة لاغارد حاصلة على درجات علمية من معهد العلوم السياسية وكلية الحقوق في جامعة باريس 10، حيث عملت محاضِرة أيضا قبل انضمامها لمؤسسة "بيكر آند ماكينزي" في عام 1981. راجع هذا الرابط للاطلاع على سيرتها الذاتية بمزيد من التفصيل.

فيتور غاسبار من البرتغال ويعمل مديرا لإدارة شؤون المالية العامة بصندوق النقد الدولي. وقبل انضمامه إلى الصندوق، تقلد العديد من المناصب الرفيعة المتعلقة بالسياسات الاقتصادية في البنك المركزي البرتغالي، بما في ذلك منصبه الأخير كمستشار خاص. وسبق للسيد غاسبار أن شغل منصب وزير دولة ووزيرا للشؤون المالية في البرتغال في الفترة 2011-2013، وكان رئيسا لمكتب مستشاري السياسات الأوروبية التابع للمفوضية الأوروبية في الفترة 2007-2010 ومديرا عاما للبحوث في البنك المركزي الأوروبي من 1998 إلى 2004. والسيد غاسبار حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد بالإضافة إلى دبلوما لاحقة للدكتوراه من جامعةUniversidade Nova de Lisboa ؛ كما دَرَس في جامعة Universidade Católica Portuguesa البرتغالية أيضاً.